IMLebanon

سباقٌ بين الإيجابية والسلبية في لبنان

المشهدُ البانورامي اللبناني يُنظَر إليه من زاويتين مختلفتين، فمن زاويةٍ أولى يبدو غير مريحٍ على الإطلاق، ومن زاويةٍ ثانية يمكن أن يبعثَ على الأملِ في الإطمئنان.

العواملُ الإيجابية ليست قليلة، وكذلك العواملُ السلبية، والتحدي كل التحدي هو أن يتمَّ تغليبِ ما هو إيجابي على ما هو سلبي، فهل يُوفَّق المَعنيون؟

ما هو إيجابي، في السياسةِ، أن الرئيس سعد الحريري عاد إلى بيروت، بعد ثلاثةِ أعوامٍ وثلاثةِ أشهرٍ في النفي القسري، فشكَّلت عودته المرحَّبُ بها من الجميع على الأقل علناً كوَّة أملٍ لمعظم المُحبَطين الذين شعروا طوال هذه الفترة بغربةٍ سياسية حتى ولو كانوا يعيشون في البلد.

لم تأتِ عودةُ الرئيس الحريري من فراغٍ، لا على المستوى الدولي، ولا على المستوى الدبلوماسي ولا على المستوى المادي إذا صحَّ التعبير.

فهناك الملاءةُ السياسيةُ التي تمثَّلت بحملِ لواءِ الإعتدال في مواجهةِ التطرفِ وتعميمه على الجميع.

وهناك الملاءةُ الدبلوماسيةُ التي تمثَّلت في الحركةِ التي أحدثها، سواء على مستوى السفراء أو على مستوى العواصمِ المستكشِفة.

وهناك الملاءةُ الماديةُ التي تمثَّلت في المكرمةِ التي قدمها خادمُ الحرمين الشريفين والتي بلغت مليار دولار للجيشِ اللبناني وسائرِ القوى العسكريةِ والأمنيةِ.

وهناك الملاءةُ الشعبيةُ التي ظهرت في الحيوية التي شهدها بيت الوسط كتعويضٍ جزئي عن إنكفاءِ الأعوامِ الثلاثة.

***

هذا المشهدُ البانورامي، الإيجابي بالتأكيد، ماذا يلاقيه في الجهة المقابلة؟

الجواب:

مشهدٌ بانورامي سلبي بكل المقاييسِ والأَبعاد:

على المستوى الرئاسي، لا إنتخاباتَ رئاسيةٍ في المدى المنظورِ على رغم كل المواعيد المتلاحقةِ والمتعاقبةِ والتي آخرها سيكون في الثاني من أيلول المقبل، وعلى رغم تحديد هذا الموعد الذي أصبح تقليداً روتينياً، فإنه يُتوقَّع أن تعقبه مواعيدَ طالما أن الإنتخابات الفعلية لم تنضج بعد.

على مستوى الإنتخاباتِ النيابيةِ، فإن لسان الحال هو:

إلى التمديد على رغم كل الصيحات التي تُطالبُ بالإنتخاباتِ وفي مواعيدها ووفق قانونٍ جديدٍ، ما هذا الترف في الآمال!

على المستوى الحكومي، هناك معاناةٌ إسمها ضعفُ الأداءِ الحكوميِ وتعثره. فالآلية التي اعتُمِدَت والتي تشترط إجماع أعضاء مجلس الوزراء على كل بند ليُصبح قراراً، هي آلية مستحيلة تقريباً وتجعل مجلس الوزراء مكبّلاً ومشلولاً، ففي الديمقراطيات يبدو الإجماع عائقاً للديمقراطية وليس مُسهِّلاً لها.

هذا على مستوى مجلس الوزراء ككل، أما على مستوى كل وزير على حدا، فإن الأداء الوزاري يبدو مائلاً إلى السلبيةِ والتقاعسِ منه إلى الإنتاجيةِ والإيجابيةِ، وهذا عائدٌ إلى أن الوزراء يعملون من دون رقيبٍ أو حسيبٍ أو محاسبة، فمجلس النواب لا يستطيع أن يحاسبهم أو يطرح الثقة فيهم، لأننا في وضعٍ إستثنائي، وإذا إستقال أحدَ الوزراءِ فلا آلية لتعيين بديلٍ منه، بل إن مهامه سيتولاها أحد زملائه بالوكالة.

بهذا المعنى هناك تعثُّر في وزارة الطاقة، وتعثُّرٌ على مستوى مصير السنة الدراسية لطلابِ الإمتحانات الرسمية، وتعثُّرٌ في مقاربة الملفاتِ المُلِحَّة الأُخرى التي تهم المواطنين، سواء أكانوا طلاباً أو موظفين أو عاملين.

***

هذه الإزدواجيةِ في المشاهد البانورامية مرشَّحٌ لها أن تستمرَ في ظلِ إزدواجيةِ التوقعاتِ بالنسبة إلى المسار في البلد، فالنار من حولنا تخفتْ وتتصاعدْ بوتيرةٍ متسارعةٍ، ونحن في المقابل لا نملكُ سوى خيارِ رداتِ الفعل، لأن الفعلَ والمبادرةَ لهما شروطٌ غير متوافرةٍ في وضعنا اللبناني راهناً.