سباق محموم بين مُحاولة «تكبيل» المؤسّسة العسكريّة والحسم العسكري في عرسال ؟ قوى 14 آذار تحدّ من اندفاعة الجيش : الأولويّة منع انتصار حزب الله لا هزيمة الإرهاب «استماتة» لإخراج «التكفيريين» من «الورطة»
وقيادة الجيش تعرف المكائد السياسيّة المخادعة
كيف يمكن ان ندعم الجيش دون خسارة ورقة المعارضة السورية؟ كيف يمكن ان ندعم الجيش دون ان يكون ذلك انتصار لحزب الله؟ كيف يمكن ان نقفل ملف عرسال دون ان نتسبب بالضرر للمجموعات «التكفيرية» ونبقيها مصدر قلق دائم للقوات السورية؟ ما الذي يمكن ان نفعله لانقاذ هؤلاء «الحمقى» من الورطة التي تسببوا بها لانفسهم ولنا في توقيت غير مناسب؟ ما الذي يمكن فعله لاعادة «عقارب الساعة» الى الوراء والعودة الى ما قبل الهجوم على مواقع الجيش في عرسال؟ انها اسئلة «هواجس» تقول اوساط في 8 آذار كانت الشغل الشاغل لقيادات قوى 14 آذار خلال الساعات القليلة الماضية، لم يكن بينها طبعا اي اسئلة استراتيجية حول تداعيات انتصار هؤلاء على الجيش، او السؤال حول الضرر الذي يمكن ان يتركه التردد في الحسم على «هشاشة» الوضع اللبناني الهش اصلا.
طبعا، تولى الرئيس فؤاد السنيورة اعداد «الوصفة»، وبحسب الاوساط، اجرى السنيورة مروحة واسعة من الاتصالات خلصت الى ضرورة تفعيل «اطلاق النار» على حزب الله لاستعادة المبادرة ووقف الانهيار السريع في الراي العام السياسي الذي تصدره النائب وليد جنبلاط، والشعبي في مناطق نفوذ 14 آذار، حيث بدأ الوعي الباطني للجميع يردد مقولة واحدة « كان حزب الله على حق»… وبعدها خرجت كل «السكاكين» دفعة واحدة للحد من اندفاعة قيادة الجيش اللبناني للحسم في عرسال وجرودها، واذا كانت قوى 14آذار تقيم «الافراح والليالي الملاح» احتفاء بالمكرمة السعودية المالية للجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، يبقى السؤال المهم هو اي جيش تريد ولأي مهمة؟ ولماذا جاءت «المكرمة» عبر الرئيس سعد الحريري وليس عبر القنوات الرسمية؟ وعن اي وحدة وطنية يتحدث «زعيم» المستقبل اذا كان تعمد استغلال المنبر السعودي للهجوم على حزب الله وايران؟ وهل الاموال المدفوعة لمحاربة الارهاب ام منافسة طهران؟
وتلفت تلك الأوساط، الى ان «لعبة» المصالح الضيقة والارتباطات الاقليمية فعلت فعلها، والهاجس لدى هذه القوى يرتبط بمسألتين اساسيتين، الاولى «قطع الطريق» الاستثمار امام حزب الله في هذه المعركة، والثانية «قطع الطريق» على قائد الجيش العماد جان قهوجي لمنعه من الاستفادة من هذه المواجهة لتعزيز فرصه الرئاسية، او على الاقل ابتزازه في هذا السياق لدوزنة حراك الجيش وضبطه. هذا الامر ليس حصرا بهذه القوى الاذارية فهي كما غيرها من قيادات لبنانية اخرى هالها رؤية السفير الاميركي ديفيد هيل عند «القائد» بعد ساعات من وصوله الى بيروت، كما شعرت بالضيق من مشهد التفاف الرأي العام اللبناني حول الجيش وقيادته، وبدأت الحسابات «الرخيصة» للبحث في كيفية الحد من امكانية صرف معركة عرسال في الاستحقاق الرئاسي.
هذه الحسابات الضيقة موجودة تضيف الاوساط في 8 آذار وكل المساحيق التجميلية لم تستطع اخفاء معالم الوجه القبيح للكثير من حملة شعار دعم الجيش في معركته ضد الارهاب، اما الحقد على حزب الله فقد انسى هؤلاء التداعيات الخطيرة لاقفال هذا الملف دون حسم واضح، فاذا انتهت الامور الى «تكبيل» الجيش ووضع «خطوط حمراء» امام اقتلاع بذور «التكفيريين» من تلك المنطقة، فهذا يعني ان الاسوأ سيكون قادما لا محالة، فليس صحيحا ان الجانب الاخر ليس الا مجموعة من الرعاع وشذاذ الافاق، فمن يقدم لهم المساعدة اللوجستية في لبنان يعرف جيدا مكامن الضعف والخلل ويقوم اليوم باستثمارها لاخراج المسلحين من «الحماقة» التي ارتكبوها في التوقيت غير المناسب، وثمة «عقول» لدى هؤلاء تعتبر ان ما حصل «بروفة» يمكن التعويل عليها في المستقبل حين تكون الاستعدادات مكتملة والظروف مناسبة للانقضاض على الجيش ليس في عرسال وانما على مساحات واسعة من الجغرافيا اللبنانية. لماذا؟ لان عدم قدرة الجيش على الحسم في مساحة جغرافية محدودة يعني انه لن يكون قادرا على الحسم اذا ما جرى فتح عدة جبهات عسكرية دفعة واحدة. وهذا يعني انه في المرة القادمة سيكون السيناريو مختلفا لشل قدرات الجيش ومنعه من حرية وسهولة الحركة.
وتؤكد تلك الاوساط، بان اي حل تفاوضي لا يشمل تسليم المتورطين بقتل افراد وضباط الجيش اللبناني سيكون بمثابة الهزيمة لهيبة القوات المسلحة اللبنانية، واي تسوية تفترض عودة الامور الى ما كانت عليه قبل الاعتداء على الجيش تعني هزيمة مدوية، كما ان اي تسوية لا تعالج ملف النازحين السوريين هناك وتضبط ايقاع تحركاتهم سيكون ايضا اخفاقا كبيرا، كما ان عدم توقيف رئيس بلدية عرسال علي الحجيري والشيخ مصطفى الحجيري المعروف بـ«ابو طاقية» باعتبارهما المسؤولان الرئيسيان عما آلت اليه الامور من فوضى داخل البلدة، سيكون بمثابة سقوط مدوي للحكومة اللبنانية التي ستسمح ببقاء تلك الجزيرة الامنية خارج سيطرة الدولة.
وفي هذا السياق تقول الاوساط ان الاسئلة المطروحة كثيرة ولعل اهمها دور هيئة العلماء المسلمين في عملية التفاوض مع التنظيمات الارهابية، فهل توقف احد ما عند هذا الثقل الذي تتمتع به هذه الهيئة عند المسلحين؟ وهل ثمة اجابات واضحة للبنانيين عن هذا الجهد «الجبار» الذي تبذله الهيئة لانقاذ المسلحين من ورطتهم؟ وماذا عن دور بعض نواب المستقبل في البقاع وحجم تأاثيرهم على الكثير من المجموعات المسلحة في عرسال؟ وماذا ايضا عن هذا التناقض غير المفهوم بين اعلان رئيس الحكومة تمام سلام عدم التفاوض مع الارهاب، فيما ينسق مع وزيري العدل والداخلية مع هيئة العلماء المسلمين عملية التفاوض مع المسلحين؟ وكيف تسمح السلطة السياسية بابتزازها عبر الرسائل الامنية المبرمجة في طرابلس «لارهاب» الجيش وثنيه عن الذهاب الى الحسم العسكري في عرسال تحت وطأة التهديد بفتح جبهات اخرى في وجهه؟
اما الاكثر خطورة تضيف الاوساط فيعود الى تأثير الاخفاق في الحسم على معنويات المؤسسة العسكرية من جهة، ومعنويات الجمهور اللبناني من جهة اخرى، فهضم الخسائر لن تكون عملية سهلة امام ضباط وافراد الجيش اذا ما سمح للقتلة بالافلات من العقاب، اما اللبنانيين فلن يكونوا بعد اليوم مطمئنين الى قدرة الجيش على حمايتهم اذا ما قرر «الخليفة» ابوبكر البغدادي او ابو محمد الجولاني توسيع حدود «الدولة الاسلامية»، وهذا سيضعهم امام ثلاثة خيارات لا ثالث لها، فاما الاستعداد للرحيل، او التسلح استعدادا لمعركة لا ريب فيها، او الالتصاق بخيارات حزب الله التي ستكون بالنسبة لهم الملاذ الاخير لتامين الحماية لهم، فعلى الاقل قيادة الحزب لا تفاوض ارهابيين وتتعامل معهم باللغة التي يفهمون بها.
وكذلك فان انتهاء العمليات العسكرية على «زغل» وبقاء الشكوك والالتباسات حولها يعني وبحسب الاوساط تشريع الابواب امام تدخل الجيش السوري في مرحلة لاحقة لتنظيف عرسال ومحيطها من جيوب المسلحين حين تكتمل مهمة «تنظيف» جرود القلمون منهم، وعندها سيكون رفض وزير الداخلية نهاد المشنوق، باسم قوى 14آذار، التعاون مع القوات السورية في تنظيف المنطقة «لزوم ما لا يلزم» لان احدا من الجانب الاخر لن يقف عند خاطره عندما يحين وقت الحسم، وهو سيقف مكتوف الايدي ازاء اي تطورات مماثلة، لانه لا يملك اي خيار آخر.
طبعا قيادة الجيش تعرف جيدا «مكائد» الطبقة السياسية المخادعة تؤكد الاوساط لكنها ليست مؤسسة فوق القانون وتحتاج الى غطاء سياسي جدي لاكمال المهمة، ما يعنيها اليوم هو الحفاظ على هيبة المؤسسة العسكرية ولا تريد الغرق في وحول «السياسة»، تريد استعادة العسكريين المختطفين، ولن تسامح قتلة جنودها وضباطها، لا تريد اي مهادنة مع الارهابيين لانها تعرف ان تأجيل الحسم قد يكون مكلفا. يبقى ان الساعات المقبلة ستكون حاسمة، والجميع امام مفترق طرق، فاما تنتصر الطبقة السياسية اللاهثة وراء مصالحها واجنداتها الخارجية، او ينتصر خيار استئصال الارهاب. ليس صحيحا ان الجيش لا يملك الامكانات للقضاء على المجموعات التكفيرية، والا كيف يمكن تفسير قدرة حزب الله على تطهير معظم الحدود اللبنانية السورية فيما يجري الحديث عن عجز الجيش عن حسم معركة صغيرة نسبيا؟
كيف تسمح السلطة السياسية بابتزازها عبر الرسائلالامنية المبرمجة في طرابلس لارهاب الجيشوثنيه عن الحسم العسكري في عرسال؟