“أهالي السجناء في طرابلس اعادوا فتح الطرق في انتظار تنفيذ وعود تلقوها باطلاق ذويهم الموقوفين ابتداء من الخميس المقبل وإلا…”.
أظن أنه الخبر الذي يحتاج الى تفسير يُعلن للملأ عن السر الذي يختزنه سجن رومية المركزي، والذي يتيح لعدد من السجناء “المدعومين” التنقل بحرية في طبقاته، واقتناء هواتف خليوية، والتواصل ليس مع ذويهم فحسب، وانما مع مجموعات مسلحة تخضع لهم، ويديرون عملياتها من الداخل.
لا أدخل في ملفات السجناء اذ ان كثيرين منهم لا يزالون موقوفين منذ زمن بعيد ولم يُحاكموا، إما لتقصير في القضاء يعزونه غالباً الى نقص في عدد القضاة، وإما ربما الى ضغوط سياسية تمنع المحاكمة، وهذا يعني أن ثمة مظلومين بينهم وأبرياء ما لم تثبت ادانتهم.
لكنّ الموضوع الذي يحتاج الى توقف هو دخول السياسة على خط السجن، واعطاء هامش من الحرية لعدد محدود يحرم اياه سائر السجناء لتسيطر طبقية واسعة وراء القضبان، تضاف اليها وعود سياسية باطلاق هذا العدد المحدود تجنباً لردود فعل في الشارع، كأنما المطلوب ان يمارس ذوو كل سجين الشغب للضغط وتحريك ملفه والنظر في امره، او دفع المال الوفير لضمان حسن ضيافته في انتظار قرار الإفراج.
في فترات سابقة حصلت أعمال شغب في سجن رومية، وتواطأ حراس مع السجناء، وعوقب من عوقب باجراءات نقل من السجن الى اماكن اخرى، أي من دون عقوبات رادعة، مما يعني ان ثمة تواطؤاً على مستوى عال مع السجناء وذويهم، بعدما تحول بعض هذا المجتمع مافيا قائمة بذاتها.
قد يكون الاكتظاظ في السجن سبباً للفوضى، لكن الحجة غير مقنعة، اذ ثمة مبان في السجن يطبق فيها القانون، وأخرى متفلتة، وغير مضبوطة. ولا نذيع سراً اذا قلنا إن المبنى “د”، كما يتردد، صار بلا ابواب داخلية، ولا يجرؤ رجال الامن الداخلي على دخوله او اقتحامه، وهم يستعينون بالجيش عندما يرتفع منسوب الشغب ليهدد كل السجن.
لقد بادر اخيراً وزير الداخلية نهاد المشنوق الى حملة اهلية لجمع التبرعات لاصلاح السجون، لكن المشكلة قد تكون اكبر من الحملة في ذاتها، وتتطلب خطة وطنية لا لبناء سجون اضافية فحسب، بل ايضا لمحاكمة الموقوفين والتعجيل في بت ملفاتهم، وفي ضبط العناصر المكلفة حمايتهم ومراقبتهم، والاهم لإبعاد السياسة عن السجون.