IMLebanon

سعد الحريري لا تحمّلوه كثيراً

عودة سعد الحريري الى لبنان ساهمت في ايقاف الخلل الحاصل في صورة فريق 14 آذار. وفي الوقت ذاته تكاثرت التحليلات التي تتوقع انتهاء ازمات لبنان الاقتصادية والامنية.

ان الازمة الاقتصادية المتمثلة بانخفاض معدلات الاستهلاك وتدني معدل النمو والعجز عن تفادي تأثيرات تدفق اللاجئين من سوريا، كلها أمور لا علاقة لسعد الحريري بها.

عودته، وهو يحمل الهبة السعودية لتعزيز الجيش وقدراته وتجهيزاته بمليار دولار، أمر بالغ الاهمية في هذا الوقت بالذات. فقرار الحكومة زيادة اعداد المجندين، في الجيش وقوى الامن الداخلي، والذي يمثل ردة فعل متأخرة على التحديات الامنية، سيحمل الموازنة نفقات سنوية تزيد على 300 مليون دولار، الامر الذي يؤدي الى زيادة العجز في الموازنة الى مستوى ينذر بالضيق المستقبلي، وخصوصاً اذا احتسبنا تأثير أي اتفاق على سلسلة الرتب والرواتب.

مبدئياً، ثمة نافذة للتنفس والامل في تعزيز قدرات الاجهزة الامنية والعسكرية بعدما تعثرت عمليات التجهيز من الجهات الفرنسية في مقابل الهبة السعودية الاولى البالغة ثلاثة مليارات دولار، والتي يبدو ان مشروع تنفيذها تأخر بسبب اشكالات تتعلق بعمولات لا يمكن ان تكون على المستوى الذي تساءلت عنه جريدة “الاوريان لوجور”، خصوصاً ان الهبة السعودية اشترطت عدم دفع عمولات عن التجهيز للجيش بحيث يكون على أفضل مستوى يتوازى مع قيمة الهبة.

أضف أن مبادرته الى تخصيص مبلغ 15 مليون دولار لتعويض خسائر أهل عرسال واضرار المواجهات في عرسال ومحيطها، يمكن ان تشكل بداية العمل الجدي على احتواء اضرار مواجهات ساهمت في ايقاظ الخوف لدى الغالبية العظمى من اللبنانيين ممن لا يستطيعون حتى التفكير في أن هنالك فئات على مثال محاربي “داعش” يتجاوزون كل الاعتبارات الانسانية والحضارية التي تعتمدها وتقرها المجتمعات الحديثة.

تأثيرات المبادرتين المرتبطتين بعودة سعد الحريري لا شك في انها ايجابية، لكنها تمثل بداية العمل على جبه التحديات الكبرى، ولا يمكن اعتبارها بداية الانتصار على الاخطار الامنية والمذهبية المحدقة بلبنان وأهله، أكانوا مسيحيين أم مسلمين. وشروط اطلاق الموقوفين من رجال الجيش وقوى الامن الداخلي، ستبيّن مدى انحسار قدرات المتطرفين الداعشيين أو عدمه، ومعلوم ان القسم الاعظم منهم لا يزال في المناطق الجردية في لبنان.

والاهم من المبادرتين ان عودة سعد الحريري تعيد التوازن والصدقية الى قوى 14 آذار. فهذه القوى خسرت شخصية بارزة في مجال الاعتدال وبعد النظر باغتيال الدكتور محمد شطح اواخر العام الماضي، وهي خسارة لا تعوض بسهولة. وظهرت عملية الاغتيال وكأنها تقصد ابعاد ذكرى رفيق الحريري عن الذاكرة الجماعية للبنانيين.

ان قيادات 14 آذار لم تثبت قدرتها على التصدي للتحديات وقد كانت متقاعسة حيال المطالب الملحّة، ومنها زيادة رواتب المعلمين التي يمكن القول إن بعضها محق وبعضها الآخر بالتأكيد مضر بمسيرة الادارة وصحة التوازن المالي في لبنان والاقتصاد اللبناني.

كل ما سمعناه من قيادات 14 آذار طلب زيادة بنسبة 1 في المئة على الضريبة على القيمة المضافة، وتقسيط زيادات الرواتب والاجور، وهذه المنهجية لن تثمر اتفاقات ذات وقع مقبول أو ايجابي على الوضع الاقتصادي.

وموقف قيادات 14 آذار من قضية البحث والتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية، كان ولا يزال غامضا بل انها كانت مسؤولة قبل بضع سنوات عن تأخير البحث في توصيات الخبراء النروجيين الذين قاموا بدراسات جيولوجية، كما قدموا اقتراحات عملية عن شروط انجاز اتفاقات البحث والتنقيب، ومن ثم وبعد الحصول على نتائج مثمرة، عن سبيل التحكم بالموارد بإنشاء صندوق سيادي، كما فعلت نروج. وللمناسبة نشير الى ان خبرة نروج في مجال النفط، وتسيير شؤون صندوق سيادي هي حديثة نسبياً، وتعود الى عقد الثمانينات وقد صار معدل دخل المواطن النروجي من عائدات النفط والغاز، والمردود على توظيفات الصندوق السيادي، أعلى من معدلات الدخل في اي بلد في العالم، اذ تجاوز معدل دخل السويسري والاميركي والسعودي والاماراتي منذ سنوات.

هل يستطيع سعد الحريري، بوجوده ومبادراته، قلب موازين الاهمال التي سادت مؤسسات القطاع العام، وكيف له ان يحقق ذلك وقيادات 14 آذار عاجزة حتى تاريخه عن تقديم حلول ناجعة لقضايا المهجرين، والبيئة، والنفط والغاز، والاجور ومعدلات النمو.

نصحو وننام على تصريحات مملة وغير مقنعة واحياناً مضرة، فهل يكون في مقدوره تعديل الصورة النمطية التي كادت ان تدفع المواطن العادي الى اليأس من التحسن وترفيع خدمات الدولة، وزيادة الطمأنينة لدى المواطنين بالنسبة الى اخطار الخطف والاعتداءات الامنية، والتوجهات الاصولية المتطرفة؟

لن يستطيع سعد الحريري بالتأكيد تحقيق كل المطلوب. فواقع الاوضاع الاقتصادية، والامنية، والسياسية في لبنان مقلق، ولا يمكن ان يتعدل بالصورة التي يتوقعها اللبنانيون والمسلمون، والناشطون، والحضاريون وغير المذهبيين.

ان التحدي الاساسي لاستعادة لبنان واهله مقداراً من الثقة والراحة لمستقبل واعد، يتمثل في القدرة على جبه الارهاب الوحشي. وهذه لن تتجلى قبل استرجاع المخطوفين وقبل النجاح الكاسح في مواجهة الارهابيين. وهذا النجاح يرتهن بمخططات الجيش وقوى الامن، والتجهيزات المتوافرة لهما، بما فيها طائرات الهيلكوبتر الهجومية، والطائرات النفاثة القتالية المجهزة للاضطلاع بدور في مواجهة المسلحين على الارض، ودور سعد الحريري في هذا النطاق كان حيوياً لانه استطاع تحصيل معونة سخية لتجهيزات الجيش وقوى الامن من السعودية.

نريد لسعد الحريري ان ينجح في بعض مبادراته وان يعمم الشعور بالراحة لوجوده في لبنان لدى أنصار تيار المستقبل. انما من غير الجائز، بل من الجائر ان يطلب منه المساهمة في حل كل المشاكل.

يكفينا ما قام به حتى اليوم، ونأمل في ان يستطيع بث ديناميكية في خطاب قيادات 14 آذار كي نبادر الى سماع آرائهم شرط نسيان ما رددوه حتى تاريخه الى حد يبعث على الملل.