لا يجوز، وطنياً، عدم التوقف أمام ما ينهد له الرئيس سعد الحريري في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ لبنان.
إنني أود أن أعلن ان ما أدلى به، أمس، (وهو ليس كلاماً منفصلاً عن مسيرته) يشكل دستور عمل في هذه اللحظات الإستثنائية التي ربما يترتب عليها مصير الوطن الصغير المعذّب.
لسوانا أن يقول إن رئيس الحكومة الأسبق أذن لنفسه أن يبلغ ما بلغه من مواقف تجاوباً لمواقف ملكية وسواها. ومع أن هذا لا يضير الشيخ سعداً لا من قريب ولا من بعيد، إلاّ أننا نرى الى سياق متواصل في مواقفه الوطنية عموماً، ومن المؤسسة العسكرية تحديداً لم يتوقف عن ترداده، وبالذات منذ ظاهرة الأسير السخيفة.
نعرف يقيناً أن سعد الحريري يواجه ضغوطات تتجاوز جبل صنين ثقلاً على عاتقه، أعانه اللّه على حملها وإحتمال تداعياتها. ومع ذلك فهو لم يتوان، لم يتردد. كان المبادر الأوّل الى الإتصال بقائد الجيش في كل مرة (أجل، في كل مرة من دون إستثناء) مقدّماً الدعم وأسمح لنفسي أن أقول: والتغطية أيضاً، وإن كان الجيش اللبناني الوطني يقوم بواجباته كاملة، فالتغطية في واقع «الموزاييك» اللبناني المعروف، وفي هذا الفصل من التطورات، هي ذات شأن وأهمية.
وفي تقديرنا أنّ هذا المفصل التاريخي الذي يجتازه العالم العربي، ولبنان خصوصاً، بل والإقليم كله، هو مفصل مصيري:
فيه ترسم حدود.
وتُزال كيانات.
وتُنشأ حدود.
وتُقام كيانات.
وربّما تقام دول أيضاً.
وفيه تتحدّد مصائر جماعات وقوميات وأجناس.
إنه ملعب للتاريخ ومرمح للجغرافيا.
وقد لا يكون سهلاً تعيين مسار الجغرافيا بعد رسم معالم التاريخ ووقائعه.
وفي خضم هذه المعمعة هائلة الدلالات والمرامي، يجد لبنان ذاته في وسط الدوّامة مهيض الجناح، يكاد يترنح. فلا رئيس للجمهورية، ولا وضع نيابي سوي، ولا حال حكومية مريحة… ومع ذلك تتراكم غيوم المنطقة والإقليم ثم تتجمّع في سمائه لتمطر أزمات وأحقاداً، وثارات ومشاكل، ومعارك وإرهاباً.
ومن وسط رماد هذه الصورة السوداء، تتدافع الأحداث آخذ بعضها في رقاب البعض، حتى ليلهث المراقب وراء التطورات فيعجز عن متابعتها.
وينبري سعد الحريري ليتصل بالعماد جان قهوجي مقدّما دعماً واضحاً صريحاً مباشراً فورياً لا لبس فيه ولا غموض، ولا يحمل أوجهاً عدة، ولا يدع مجالاً للتساؤل: إنه «الدعم المطلق».
الدعم الذي يُخرس المتفذلكين، والمتردّدين، وأصحاب المصالح والأنيانيات.
الدعم الذي يعني: نعم بالفم المليان.
الدعم الذي ينطلق من قيادي شاب، شاءت الأقدار أن تضعه في وجه العاصفة إثر إستشهاد الوالد الكبير… فكان لها.
الدعم الذي ينطلق من أن أي تخاذل يعني نهاية وطن فريد بين الأوطان!
وبعد… جميل أن يكون موقف سعد الحريري تحصيلاً حاصلاً لنفسية ومسيرة الرجل، فعساه يكون مدخلاً الى توافق وطني شامل فيستحث اللبنانيون أنفسهم نحو توافق تفرضه هذه المستجدات الرهيبة، فيعود لبنان الى دوره وريادته.
ولبنان يستحق.