مذ خرج من المهلة الدستورية يدور الاستحقاق الرئاسي حول نفسه بلا جدوى. لا خطة سوى الخطة الف تقول بتعذر انتخاب الرئيس الجديد الآن. لا احد يبحث عن خطة باء، وقد لا يكون يريدها. ربما الرئيس ميشال عون وحده حامل مفتاح خطة باء لا وجود لها، حتى الآن، في حساباته
في بضعة احاديث اخيرة اجروها مع مسؤولين لبنانيين، اكثَرَ سفراء دول غربية بارزة من أحكام الربط بين احداث المنطقة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعدما وجدوا حتى ذلك الوقت اكثر من سبب يحملهم على فك الاشتباك، والاعتقاد بأن في وسع الافرقاء اللبنانيين ــــ بقليل من المؤازرة الدولية ــــ الاتفاق على انتخاب رئيسهم. بات ما يتحدث فيه السفراء هؤلاء مشوبا بسوداوية بازاء الاستحقاق، وتأكيدهم أن مخاض المنطقة، وليس سوريا فحسب، طويل.
في بعض حججهم امام المسؤولين اللبنانيين، ملاحظات استقوها من تتبعهم ما يجري في المنطقة ومقاربة حكوماتهم له:
1 ـــ صار الاتجاه الغالب لدى طهران وموسكو ان رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي اصبح كالرئيس السوري بشار الاسد خارج نطاق التفاوض على رأسه، او التساهل بالتخلي عنه لمصلحة خيار آخر وتقويض الرهان عليه. اضحى الحظ الضئيل الباقي هو حمل المالكي على تأليف حكومة تقبل بها القيادات السنّية العراقية والعواصم السنّية الاقليمية كالسعودية، وان بدا الامر غير متوقع تماما.
2 ـــ من غير المنطقي تعليق الآمال على توقع خاطىء سلفا، هو انتظار تفاهم ايراني ــــ خليجي على رأسه الرياض لخوض مواجهة تصفية الدولة الاسلامية (داعش) في العراق، ما يقتضي استباقه بتنازل ايراني مكلف لشركائه الآخرين في الحرب على التنظيم الارهابي. لا تبدو طهران مستعدة لتنازل كهذا، ولا المملكة راغبة في تعاون مماثل. بل تظن ايران انها قادرة والعراق، دونما حاجة الى افرقاء آخرين، على التكفل بجبه «داعش» وانهاء وجوده.
بيد ان المشكلة ترتبط كذلك بنتائج الانتخابات العراقية واعادة تركيب السلطة في هذا البلد. تتوخى الرياض اسقاط النتائج تلك، بينما تتمسك بها طهران والمساهمة في اعادة بناء السلطة كي تحتفظ بمكاسبها فيها. ولأن ثمة رابحا وخاسرا في حصيلة هذه النتائج، كلاهما غير مستعد للتفاوض مع الطرف الآخر.
3 ـــ حملت الاشكالية الاقليمية هذه السفراء الغربيين اياهم، في الايام الاخيرة، على زيارة الرئيس ميشال عون لاستطلاع رأيه في ما يتوقعه من التطورات المتسارعة في المنطقة، وتأثيرها على لبنان، ومدى تسبّبها بتولد اقتناعات جديدة لديه. ومن غير ان يحملوا معهم اقتراحات محددة، توخوا التحقق من استعداده للخوض في الخطة باء حيال الاستحقاق الرئاسي التي تفترض ـــ اول ما تفترض ـــ انه تيقن من حظوظه الضئيلة في الوصول الى رئاسة الجمهورية. اخذوا في الاعتبار ايضا ان الحسابات الاقليمية لا تطابق حتى هذا الوقت رهانه على تزكية ترشيحه ومن ثم انتخابه، في ظل بقاء المالكي على رأس الحكومة العراقية والاسد منذ حزيران الماضي على رأس نظامه وبلاده.
في بعض ما استنتجه السفراء الغربيون الزائرون، ان عون لا يزال يرى ترشيحه الخيار الافضل للسعودية والسنّة اللبنانيين، وإن استمر المالكي والاسد، من دون اقتناعه بربط وجوده في الحكم بحكمهما بلديهما. ما اوحى به رئيس تكتل التغيير والاصلاح انه الوحيد القادر على تحقيق حوار بين تيار المستقبل وحزب الله تحت سقف الدولة والتعايش والتوازن الداخلي، ومن خلال طرح نفسه مرشحا وفاقيا. وهو ما يحتاج اليه الفريقان السنّي والشيعي على السواء.
استخلص السفراء الغربيون ان الرجل ليس في وارد التفكير، في الوقت الحاضر، بخطة باء تقول بالبحث عن مرشحين آخرين للرئاسة. لم يشأ هؤلاء القول له ـــ ولم تكن هذه مهمتهم في كل حال ـــ انه يفقد يوما بعد آخر حظوظا جدية وحقيقية في الوصول الى الرئاسة. الا انهم لمسوا انه لما يزل يتمسك بمقاربته انتخاب رئيس قوي للجمهورية. تلاقي هذه الخلاصة ما افضى به السفير الاميركي دافيد هيل امام سياسيين لبنانيين في لقاء خاص، بقوله ان الرئيس سعد الحريري كان يفاوض عون باخلاص وصدق، الا ان السفير اعرب عن اعتقاده بأنه يصعب على الحريري تنفيذ ما قد يلتزمه حيال محاوره. لم يسمّ بالتأكيد السعودية، بيد ان موقفه يماثل ما استنتجه زملاؤه الغربيون، وهو ان الاشتباك الاقليمي، الايراني ـــ السعودي خصوصا، سيظل حجر عثرة في طريق طموحات الجنرال.
4 ـــ يقول السفراء الغربيون ان مصير الرئاسة اللبنانية غامض، الا ان القلق ليس كبيرا على نحو الهواجس والمخاوف. في ظنهم ان الاستقرار متوافر في حدود دنيا، من دون ان يكون ثمرة تفاهم ايجابي بين الفريقين السنّي والشيعي على قواعد تسوية داخلية ملموسة، بل هو في واقع الامر ابن اتفاق سلبي بعدم الرغبة في الاشتباك ونقل التناقض الحاد بينهما على معظم الملفات والاستحقاقات الى الشارع، والتسبب تبعا لذلك بالاضطرابات والفوضى.
لعلّ الصورة المثالية لرفض الاشتباك، هو طريقة ادارة الطرفين اجتماعات حكومة الرئيس تمام سلام.
5 ـــ يلاحظون ايضا ان احدا حتى الآن لا يسعه التقريب بين طهران والرياض، ناهيك بأن العاصمتين غير راغبتين جديا في ان تبادر احداهما بالاقتراب من الاخرى. اضف ما اضحى عليه الواقع العراقي كصورة مكملة لخلاف عاصمتي الشيعة والسنّة في المنطقة. الاميركيون والفرنسيون على صلة وطيدة بالسعودية، ولا يتحدثون مع ايران خارج نطاق التفاوض الدائر على الملف النووي. الروس بدورهم على علاقة وطيدة بايران، لا تقابلها اخرى مماثلة بالسعودية، ولا يبدون انهم قادرون على التأثير على هذه.
بذلك يعتقد السفراء الغربيون بأن ايجابيات محتملة تصدر عن اجتماع 24 تموز بين الغرب وايران في الملف النووي، ربما تفتح الباب امام الاتحاد الاوروبي ـــ وقد يكون الطرف الوحيد المؤهل ـــ لولوج باب التفاوض والحوار بين العاصمتين اللدودتين. اذ ذاك، يصح الكلام، في مرحلة متقدمة من هذا الحوار، على الالتفات الى الوضع اللبناني واخراجه من مأزقه الدستوري وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
بيد ان ذلك يتطلب حتما انتظارا طويلا.