IMLebanon

سفراء غربيون: لم نعد وحدنا الخارج

للمرة الأولى لسنوات خلت تحضر انتخابات الرئاسة، وللمرة الثالثة يحضر الشغور، ولا يحضر الدور الغربي التقليدي لمواكبة الاستحقاق. يتصرّف الأفرقاء اللبنانيون كأنهم متروكون له بمفردهم، بينما يكتفي السفراء الغربيون بالمراقبة ورصد المواقف فحسب

في أحاديث خاصة يحرص سفراء غربيون، ولا سيما منهم أوروبيون، على تأكيد اهتمام حكوماتهم بشغور الرئاسة اللبنانية وقلقهم من دوام هذا الشغور، من غير أن يكتموا أن مقدرتهم على التدخّل باتت محدودة. ليس بينهم مَن يسعه الجزم بأنهم ـــ كغربيين خصوصاً ـــ لا يزالون يحتفظون بالدور التقليدي الذي اعتاده اللبنانيون فيهم، عندما يستحقون أزماتهم الوطنية ويظهر الغرب عليهم فجأة حبل نجاة. يدافع بعض السفراء هؤلاء عن المواقف التي يحملونها من حكوماتهم، ويسوقون أمام محدثيهم ملاحظات تعكس مقاربتهم انتخابات الرئاسة والشغور الذي تلاها، وكذلك علاقتهم بحكومة الرئيس تمام سلام بعد انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إليها.

في أبرز ما يُفصح عنه هؤلاء الملاحظات الآتية:

1 ـــ يصرّون على القول إن على الأفرقاء اللبنانيين أن لا يشككوا مرة في أن عدم التحرّك الغربي الملح، يعني أن السفراء الغربيين يتكيفون تدريجاً مع الواقع الحالي الذي هو مصدر إقلاق لهم. يعزون حجتهم هذه إلى واقع استحالة تأثيرهم على كل الأطراف المحليين. يضيفون أيضاً: لم يعد الخارج الذي اعتاد لبنان التعويل عليه هو الغرب فقط، أي أوروبا والولايات المتحدة. هناك أيضاً مَن يقتضي أخذ أدوارهم في الإعتبار كإيران والسعودية. كلتاهما تمثلان اليوم للبنان «الخارج» الواسع التأثير في استحقاقاته ومشكلاته. إن لم يكن في مثل تأثير الأوروبيين والأميركيين في ما مضى، فهو في مستواه على الأقل. في إيران والسعودية تكمن المشكلة والحل في آن. يُعرّج السفراء إياهم على التذكير بأن موظفين كباراً وسفراء فرنسيين وأميركيين تحرّكوا قبل أشهر نحو طهران والرياض في وقت واحد من أجل تسهيل إبصار حكومة سلام النور.

وخلافاً لاستحقاقات سابقة كانت اليد الطولى في التأثير المباشر عليها للأميركيين أو الفرنسيين أو السوريين، لا طرف خارجياً واحداً يسعه في الوقت الحاضر الإمساك بالملف اللبناني وإدارته لوحده.

2 ـــ منذ دخل لبنان مدار انتخابات الرئاسة راح السفراء هؤلاء، تبعاً لما يقولون، يضمّنون تصريحاتهم ومواقفهم عنصرين على الأقل، هما دعم الحكومة لضمان استمرار الاستقرار الداخلي والتشديد على إجراء انتخابات الرئاسة بلا إبطاء. يعقبون: «لم نفهم لماذا لم يقرأ اللبنانيون سوى الشق الاول من الموقف وتجاهلوا الآخر، كأننا نتوقف عند تأييد الحكومة ودعمها ونتغاضى عن انتخاب الرئيس».

3 ـــ يجزم بعض هؤلاء بأن ليس في وسعهم أحياناً التأثير البتة على زعماء وقيادات متشدّدين ومتصلبين في مواقفهم. يروون أن أكثر من سفير غربي جهد لدى الرئيس ميشال عون بغية استمزاج رأيه وموافقته على دور إيجابي وبنّاء يفضي الى إنجاز الإستحقاق الرئاسي. من اللقاء الأول به، سمعوا عبارة قاطعة: لا تقولوا لي إنني صانع رؤساء.

من دون أن يكونوا ذهبوا إليه لإقناعه بالتخلي عن ترشحه متى شعر بزوال حظوظ وصوله الى الرئاسة، رموا إلى استطلاع خيارات بديلة محتملة لديه، أو على الأقل Plan B. فأوصد دونهم الباب بعبارته، استنتجوا ما توخى الإيحاء به. وهو أنه ـــ في الوقت الحاضر ـــ ليس الناخب الذي يصنع الرئيس. أكد بذلك أنه لا يزال مرشحاً، ولم يستنفد حظوظ انتخابه، وأن لا خيارات بديلة أخرى لديه حتى إشعار آخر.

4 ـــ في معرض تتبّعه المواقف المحلية في مرحلة ما بعد الشغور، والمواصفات المتداولة للرئيس المقبل، لم يتردد سفير أوروبي بارز في التعليق على ما سمعه عن المطالبة المتشعبة الإتجاه والتوجه بانتخاب «رئيس قوي». قال أمام محدثيه: «في نظام برلماني لا يتم البحث عن رئيس قوي عندما تتركز السلطة في مجلس النواب، بل يتحقق ذلك في الأنظمة الرئاسية. ما دام النظام اللبناني برلمانياً مصبوغاً بنزعات طائفية، فإن البحث عن رئيس قوي بالمفهوم الشائع عن القوة المفرطة في الرجل يصبح غير ذي جدوى».

استخلص السفير الأوروبي البارز أمام محدثيه مما عناه، أنه يوجه رسالة إلى «المزاج المسيحي»، وإلى النواب المعنيين خصوصاً بانتخاب رئيس الجمهورية، مفادها أن عليهم انتخاب رئيس وفق المفهوم الشائع عن القوة في الأنظمة البرلمانية، وهي أن تكون للرئيس إحدى مهمتين: التوفيق بين القوى والأحزاب والتيارات التي يتكوّن منها المجتمع السياسي، أو الإنسجام مع حكومة تمثل الغالبية النيابية.

5 ـــ أكثر السفراء الغربيون أمام محدثيهم اللبنانيين من طرح تساؤلات، أقرونها بدوافع قلقهم من استمرار شغور الرئاسة ومقدار صلابة حكومة سلام في جبه التحديات. سألوا كيف يمكن الحكومة مواصلة التعاون مع المجتمع الدولي من خلال اتخاذ تدابير قانونية وإدارية مرتبطة بالصندوق الإئتماني المنبثق من «مجموعة الدعم الدولية للبنان» وسبل تنظيم آليته؟ سألوا أيضاً عن مصير النفط والقدرة على إقرار الموازنة والمضي في التزام تمويل المحكمة الدولية؟ أظهروا خوفهم على الإستقرار، وهم يخشون من تسرّب الشكوك إلى عقولهم في ظلّ صعوبات تواجهها حكومة سلام، لسببين مباشرين على الأقل: أولهما عدم تفاهم وزرائها على آلية إدارة صلاحيات رئيس الجمهورية من أجل انتظام عملهم، ثانيها الخشية من أن يؤدي التوتر المذهبي في المنطقة وتداعياته على لبنان إلى أسباب إضافية لاضطراب الإستقرار.

لم يتردد بعضهم في القول إن تصعيد العمليات العسكرية في العراق بين الجيش والمتشددين، نقل الخلاف السعودي ـــ الإيراني على تكوين الحكومة الجديدة إلى مواجهة غير مباشرة، مختلفة وضارية على الأرض، كي تحلّ محل الحوار والتفاوض الذي لا يزال يتعثر بين البلدين.