واشنطن
هل خلَطَ تنظيم «داعش» أوراقَ اللاعبين الإقليميّين وبدَّدها بأبخس الأثمان؟ سؤال يطرح نفسه في عدد من العواصم الإقليمية والدولية، في الوقت الذي ترتفع فيه أعلام تلك «الدويلة»، إيذاناً بموت «اتّفاقية سايكس بيكو»، على ما أعلن زعيم «داعش» نفسُه، فيما مقاتلوه يزيلون الحدود بين غرب العراق وشرق سوريا.
خلافاً لما يعتقد كثيرون، لم يفاجئ ما حدث في الساعات الماضية أحداً، وخصوصاً الإدارة الأميركية، التي كانت تملك تقارير ومعطيات كثيرة تؤكّد أنّ المسار الذي انتهجته القيادة العراقية برئاسة نوري المالكي، في علاقاتها مع المكوّن السُنّي في البلاد سيقود إلى ما شهدناه.
يقول مصدر أميركي مُطّلع «إنّ سقوط «الموصل» هو بلا شكّ، سقوط للمالكي نفسه، ولن نُفاجأ إذا سمعنا بهروبِه الى طهران. لكن قبل كلّ شيء هو سقوط مدوٍّ للسياسة الإيرانية في العراق وسوريا والمنطقة المحيطة بهما». ويرى المصدر أنّه «على رغم صعوبة التكهّن بما ستؤول إليه الأمور في العراق وهل سيتمكّن «داعش» من الاحتفاظ بالمناطق التي سيطر عليها، دقَّ ما حصل ناقوس خطر قُرعت أجراسُه للاعبين الذين اعتقدوا أنّ امتطاء أدوات الإرهاب واستخدامها تبعاً لأجنداتهم الخاصة، يؤهّلهم الدخول مجدّداً في شراكات سياسية، فيما برهَن الواقع أنّه سلاح ذو حدّين. فما يحصل على الأرض لا يعدو كونه سياسات هيمنة مذهبية على مكوّنات مذهبية أخرى. وفي هذه الحال، هل كان يُتوقع أن يكون الردّ على هيمنة مذهبية ردّاً ديموقراطياً مثلاً؟».
ويضيف المصدر: «ربّما فات الأوان لاستدراك ما يمكن استدراكه. فما حدَث يعني أنّ قواعد عدة كانت تحكم النزاعات في المنطقة، هي في طريقها إلى التغيير. فـ»الصحوة» السُنّية، على ما يطيب للبعض وصفها، تطرح إشكاليات لا بدّ للّاعبين الصغار من استدراكها قبل فوات الأوان.
ولا يَنبغي التقليل من أهمّية إعلان إيران استنفارَ قوّاتها على الحدود مع العراق. فإذا كان انهيار الجيش العراقي هو المتوقّع تبعاً للسيناريو الذي شهدناه في محافظة نينوى، فأين ستذهب جحافل النازحين عندما تتعرّض التجمّعات الشيعية لهجمات مماثلة»؟
وإذ يسخر هذا المصدر من ردّة فعل النظام السوري وإعلانه الإستعداد للتنسيق مع العراق ومع من «يهمّهم الأمر» لردّ هجمات «التكفيريّين»، يرى «أنّ الأوان قد فات أيضاً حتى على الإدارة الأميركية لتتمكّن من تغيير ما حصل، سواءٌ عبر المعونات العسكرية أو عبر ضربات طائرات «الدرون» في العراق أو في سوريا، على ما كشفَته أوساط عسكرية أميركية أمس الأوّل، أو حتّى مع إعلان مسؤولين اميركيين وفي مقدّمهم سوزان رايس، «أنّ واشنطن ستعمل على زيادة الدعم للمعارضة السورية المعتدلة، تدريباً وتسليحاً بإشراف البنتاغون، لتغيير ميزان القوى على الأرض في مواجهة النظام والجماعات المتشدّدة على حدّ سواء».
فهذا «الميزان» بات يحتاج هو الآخر إلى إعادة تحديد، لمعرفة حدوده وتقاطعاته وتحالفاته، في الوقت الذي ينهار فيه الوضع نحو حربٍ شاملة بين المكوّنين الإسلاميّين في المنطقة».
أوساط أميركية أخرى تؤكّد «أنّ أفضل ما يمكن القيام به بغية تقنين الخسائر والحدّ من تداعيات ما يجري، هو العودة إلى قراءة القدرات الذاتية لكلّ الأطراف، وابتعادها عن الغوص في معارك أكبر منها بكثير. فالمشهد المتفجّر في المنطقة لا يدع مجالاً للشكّ في أنّ تداعيات خطيرة هي في طريقها للتأثير على ما يشهده غير بلد».
وتشدّد تلك الأوساط على وجوب إدراك حقيقة أن لا إمكانية بعد اليوم لتجديد معادلة تعويم بعض الأطراف واعتبارها وكيلة مقبولة في شراكة سياسية تحت شعارات بائدة. مثلما أنّ وَهمَ تكوّن الدول ورسمَ حدود الدويلات يحتاج هو الآخر إلى إعادة تدقيق جدّي، خصوصاً أنّ الجميع يتحسّس أقدامَه، من طهران الى أنقرة إلى الخليج».