كما كان متوقعاً، وكما اعتاد عليه الرأي العام اللبناني منذ الجلسة الثانية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد بضعة أيام من دخول الاستحقاق الرئاسي مهلة الشهرين التي نص عليها الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية، كما كان متوقعاً لم يكتمل نصاب الجلسة النيابية أمس، والسبب هو تغيّب نواب حزب الله وحلفائه نواب تكتل الاصلاح والتغيير إنسجاماً كما يقولون مع مقتضيات اللعبة الديمقراطية، وحقّهم الدستوري في عدم الحضور لتعطيل جلسات المجلس النيابي، وبذلك يكون هذان الحليفان هما الوحيدان المسؤولان عن تعطيل مجلس النواب وإحداث الفراغ في رئاسة الجمهورية الذي يخشاه البطريرك الماروني بشارة الراعي ويحذّر من تداعياته وارتداداته على المكوّن المسيحي وحتى على الكيان اللبناني.
ومن المؤسف حقاً أن زعيم أكبر كتلة مسيحية في البرلمان النائب ميشال عون، لا يفوّت مناسبة إلّا ويدّعي فيها الحرص على الوجود المسيحي في لبنان وفي المنطقة ويزايد في هذا المنطق على منافسيه في الطائفة المارونية العريقة ليس على قيادة المسيحيين وحسب بل وعلى قيادة كل الشعب اللبناني بمسيحييه ومسلميه من خلال توليه منصب رئيس الجمهورية.
ومن المؤسف أيضاً أن حزب الله يُجاري النائب ميشال عون ويُجاهر علناً بأنه يغيب عن جلسات مجلس النواب، ويُساهم بالتالي في تعطيل اجتماعاته كرمى لعيون حليفه النائب عون الذي التزم معه في حماية المقاومة وفي الدفاع عنها وعن مشروع الحزب الرامي الى تفكيك الدولة والجمهورية لإقامة دولة تلبّي طموحاته سواء من خلال ورقة التفاهم وسواء من خلال ممارسات العماد عون وتياره التي تخدم هذا المشروع، وكان آخرها وليس أخيرها تصريحه الأخير في مناسبة عيد المقاومة عن المثلث المذهب منه ومن السيّد حسن نصر الله والرئيس سعد الحريري، وهو المثلّث الذي عناه السيّد نصر الله في الخطاب الذي تحدّث فيه عن إنشاء الهيئة التأسيسية لإعادة النظر في إتفاق الطائف الذي نص على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في تركيبة مجلس النواب وفي الوظائف القيادية والذي ما زال ساري المفعول حتى الآن، ولا يزال أهل السنّة والدروز وفريق كبير من المسيحيين يتمسّكون به، ويرفضون بشكل قاطع المساس به، بهدف تغيير قواعد الميثاق الوطني وميثاق الطائف اللذين يشكلان أساس النظام اللبناني القائم.
ومهما حاول العماد عون الذي يلهث وراء رئاسة الجمهورية مهما كان الثمن الذي سيدفعه المسيحيون عموماً والموارنة خصوصاً تبرير تغيّبه عن حضور جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للبلاد، فيعزو الأمر أحياناً الى أنه لا يزال ينتظر جواب الرئيس سعد الحريري النهائي في شأن تبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية كرئيس توافقي وهو يعلم علم اليقين أن هذا الأمر لم يحصل فإنه يتحمّل مسؤولية تداعيات وارتدادات تعطيل الاستحقاق الرئاسي والتي حذّرت منها بكركي وكافة المؤسسات المارونية المدنية إثر اجتماعها أمس برئاسة البطريرك الراعي في بكركي، ومنها الخطر الداهم على الكيان وعلى رئاسة الجمهورية وعلى الوجود المسيحي في لبنان وفي المنطقة.
والسؤال الذي يوجهه المسيحيون عامة والموارنة خصوصاً الى العماد عون بعدما ذهب بعيداً في تحديه لإرادة الأكثرية المسيحية وفي إيغاله في المخطط الذي يستهدف وجودهم في لبنان هو هل يعود الى رشده، ويتخلّى عن حلمه في الوصول الى رئاسة الجمهورية ولو على حساب النظام القائم ويتفق مع زعماء الطائفة المارونية على مرشح توافقي يكون مقبولاً من الجميع ويشكّل خشبة الخلاص للطائفة المارونية من المأزق الصعب الذي تمر فيه؟