شكل الحوار بين الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون منذ انطلاقته عشية الاستحقاق الرئاسي تطوراً داخلياً بالغ الأهمية والأثر في حقبة انتقالية خطرة بدليل اثارة هذا الحوار ضجيجا صاخبا لا تزال تردداته تطبع معظم جوانب الأزمة الرئاسية حتى الساعة. ومع ان العامل الشخصي الذي يمثله الطموح المشروع للجنرال في الوصول الى رئاسة الجمهورية كان المحرك الرئيسي لفتحه صفحة ” انقلابية ” إيجاباً في علاقته مع زعيم التيار الذي ناصبه اشد معاركه وخصوماته، فإن أبعادا جديدة في المشهد الداخلي بدأت ترتسم على إيقاع هذا الحوار بدليل ان حلفاء الحريري انتابتهم الخشية الشديدة من هذا التحول.
تثير هذه الحقيقة سؤالاً محيراً عن السبب الذي دفع بالجنرال عون الى اسقاط ما يسمى “وهم القوة” على النحو الدراماتيكي الذي رافق إطلاقه لمبادرته الاخيرة وهو العارف مسبقاً انها أشبه بضربة سيف في مياه البحر؟
لا نخال الجنرال الذي خاض منذ ١٩٨٩ معاركه المتعاقبة ضد اتفاق الطائف ومن ثم انخرط فيه كليا وحصد من انخراطه وتحالفاته الكتلة المسيحية الوازنة غير مدرك سلفاً عقم الذهاب المباغت الى الانقلاب على الطائف في هذا الظرف البركاني الاقليمي والداخلي. لن نسأل عما اذا كان الجنرال قد أقام حسابات دقيقة لتوقيت طرحه وظروفه والامكانات الواقعية ام انه شاءها ضربة إضافية لتعجيز الخصوم والحلفاء معا على قاعدة “انا او نظام رئاسي” يدفن الطائف هذه المرة. لكن ثمة ما يحفز على سؤال نراه اكثر دلالة هو هل حسبها الجنرال ام اخطأ في عدم احتسابها لجهة إسقاط “وهم القوة” الكائن في حواره مع الحريري؟
اغلب الظن ان المساءلة تذهب هنا ايضا نحو الفريق الاستشاري للجنرال الذي صاغ مبادرته المزدوجة حيال النظامين الرئاسي والنيابي. وقع هذا الطرح في ازدواجية التناقض الشديد المتسرع بين اعلان “وهم قوة” انقلابي على الطائف من جهة وإسقاط الورقة الأثمن في يد الجنرال من جهة اخرى. وحتى في حال يأس الجنرال من انتزاع موافقة الحريري على انتخابه، فإن المساءلة تبدو حتمية لمراجعة مسار هذه التجربة ولماذا انتهت بتهاو دراماتيكي يوحي بانهيارها. يحفز على ذلك ان هذا الحوار كان تطورا إيجابيا ولا يزال بدليل ان أحداً لم يمتلك القدرة على رفضه علنا من الناحية المبدئية التي تمثلها خطوة عابرة للعداوات والطوائف. ولكن ما يصعب تجاوزه في دلالة الذهاب العوني المباغت من حوار علق عليه مصير الازمة الرئاسية الى طرح انقلابي يحمل في مضمونه وظروف ولادته وتوقيته الملتبس بشدة نواة تفجيره التلقائي هو سؤال لا يمكن احدا غير صاحب الطرح الإجابة عنه: هل كان خصوم الجنرال عنوان الرسالة ام حلفاؤه؟