خرقَ الجمودَ السائدَ على جبهة الاستحقاقات الدستورية أمس اقتراحُ قانونِ تعديلٍ دستوري قدّمه تكتّل «التغيير والإصلاح» برئاسة النائب ميشال عون «لانتخاب الرئيس مباشرةً من الشعب»، في وقتٍ شكّكت قيادات ومرجعيات في إمكان نفاذ مثل هذا الاقتراح، أوّلاً في ظلّ تعطيل العمل التشريعي، وثانياً لأنّه لا يحظى بتأييد جامع، وثالثاً لأنّ الدخول في تعديل دستوري من هذا النوع قد يفتح الباب أمام اقتراح تعديلات دستورية أخرى، فيما الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد بشغور موقع رئاستها لا تسمح بأيّ «ترَف سياسي»، فكيف يتعديلٍ دستوري يحوّل النظامَ من نظام جمهوري ديموقراطي برلماني إلى نظام رئاسيّ على الطريقة الأميركية وما يشبهها.
كان الحدَثَ السياسيَّ الأبرز أمس تقديمُ عشرة نوّاب من تكتّل «التغيير والإصلاح»، وفي مقدّمهم عون نفسُه، اقتراحَ قانون يقضي بتعديلٍ دستوري «لانتخاب الرئيس مباشرةً من الشعب»، وأكّد عضو التكتل النائب حكمت ديب لـ»الجمهورية» أن «لا علاقة لتوقيت الاقتراح بالتمديد للمجلس»، لافتاً إلى «أنّنا سنُطوّر هذا الاقتراح لإيصاله إلى حيث يجب، وإقناع معظم الأطراف السياسية والطائفية، لكي يعوا خطورة الاستمرار في اللاتوازن».
في المقابل رفضَت بعض الكتل هذا الاقتراح، وفي هذا السياق أكّد عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ»الجمهورية»، أنّ ما يفعله عون «هروب إلى الأمام». مشدّداً على أنّ «هذا الاقتراح غير منطقي وغير دستوري ويستحيل تطبيقه، وهو ما يدركه عون مسبقاً، لأنّ هكذا اقتراح يتطلّب تعديلاً دستورياً، وأن يكون المجلس في دورة عادية، وهذا ما ليس متوافراً راهناً، وبالتالي هدفُه هو المزايدة السياسية».
كذلك، رفضَت «القوات اللبنانية هذا الاقتراح، وقال النائب جوزف المعلوف لـ«الجمهورية»: «للأسف أنّهم لا يدرون ماذا يفعلون، وهذه كارثة، لأنّ تعديلاً دستورياً من هذا النوع يهدّد المناصفة القائمة تحت غطاء الطائف والدستور»، رابطاً الاقتراحَ بـ»أمل أو طموح وصول العماد عون الى الرئاسة، من دون الأخذ في الاعتبار المخاطرَ التي قد تهدّد النظام القائم».
بدوره، النائب مروان حمادة قال لـ«الجمهورية» إنّ عون «ينقلنا من مفاجأة إلى أخرى، والهدف واحد، إنّه لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية سواه»، مؤكّداً أنّ «هذا الاقتراح لعبة مميتة للبنان وخطيرة على حقوق المسيحيين في البلد». (التفاصيل ص 7)
برّي
ولم يعلّق رئيس مجلس النواب نبيه بري على الاقتراح العوني، لكنّه أكّد أمام زوّاره أمس «أنّنا لم نتجاوز الخطّ الأحمر بعد، وما يزال في إمكاننا أن ننتخب رئيسَ جمهورية جديداً، وأن نُجريَ الانتخابات النيابية، ولدينا مهلة تنتهي في 16 تشرين الثاني المقبل».
وقال برّي: «إنّ الأولوية عندي كانت ولا زالت للرئاسة، أي لانتخاب رئيس جمهورية جديد، ومن جهتي أقوم بدور في هذا المجال، علّنا نصل الى إنجاز هذا الاستحقاق في أقرب وقت». وأشار إلى أنّه في هذا المجال «متقارب في الأفكار» مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي يجول بدوره على القيادات السياسية ساعياً لإنهاء أزمة الاستحقاق الرئاسي.
وأسفَ برّي «لأنّ العرب وحتى العالم كلّه يحبّ لبنان، فيما اللبنانيون لا يحبّون بلدهم، قاصداً باللبنانيين الأفرقاءَ السياسيين». وقال: «مَن يعطّل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب التشريعي والرقابي وغيره بسبب شغور سدّة رئاسة الجمهورية إنّما يخالف الدستور مخالفة صارخة، فما من دولة في العالم تعطّل مؤسّساتها الدستورية في حال شغور موقع رئيسها».
وردّاً على سؤال عن دعوات البعض الى البحث مع عون في موضوع ترشيحه للرئاسة؟ قال برّي: «أنا من جهتي تكلّمت معه، وعلى غيري أن يتكلم معه».
وأشار برّي إلى تفاقم أزمة النازحين السوريين وما تهدّد به من مضاعفات، فقال إنّه لا ينبغي أن يتمّ التعامل مع هؤلاء كلاجئين، لأنّ هناك كثيرين منهم موجودون في لبنان بغير هذه الصفة، ويجب التواصل بين الدولتين اللبنانية والسورية للبحث في إيجاد حلّ لهذه المشكلة.
واستطرد بري في هذا المجال معلّقاً على اعتراض البعض على التواصل في هذا الشأن مع الحكومة السورية لأنّه يعتبرها «غير معترَف بها»، فقال: «إنّ هؤلاء ليسوا هم مَن يحدّد ما إذا كانت الحكومة السورية معترَف بها أم لا، وهم لا يتحدّثون أحياناً مع الحكومة اللبنانية أيضاً، وأحياناً يتصرّفون كأنّهم لا يعترفون بها، يجب التواصل مع الجانب السوري من أجل إيجاد الحلّ اللازم لمشكلة النازحين، فما من دولة في العالم تتعاطى مع أيّ نزوح بالطريقة التي تحصل في لبنان، حيث يدخل إليه الألوف من سوريا كلّ يوم من دون أن يعرف ما إذا كانوا فعلاً نازحين أم غير نازحين».
وفي هذا السياق قال قطب سياسيّ في فريق 8 آذار إنّ فريق 14 آذار الذي دعاه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله إلى البحث مع عون في أمر ترشيحه للرئاسة «ليس بقادر على هذا الأمر لأن ليس لديه أيّ مرشّح آخر غير رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، لأنّه لا يستطيع الاتّفاق على ترشيح آخر غير جعجع، سواءٌ أكان من ضمن صفوفه أو من خارجها».
مجلس الوزراء
في ظلّ هذه الأجواء غاب النقاش السياسي عن جلسة مجلس الوزراء واحتلّ ملف النفايات أولوية البحث فيها مستغرقاً أربع ساعات من النقاش، تقرّر في ختامها تشكيل لجنة برئاسة وزير الدفاع وعضوية وزراء المال والزراعة والداخلية والبلديات والبيئة والتربية ورئيس مجلس الإنماء والإعمار للبحث في المرحلة الانتقالية المتعلقة بالخطة الشاملة للنفايات الصلبة، والبحث في موضوع التمديد لشركات Avenda (أي سوكلين) وLavagette وbatco.
وعلمت «الجمهورية» أنّ عدداً من الوزراء (من بينهم وزراء الكتائب والتيار الوطني الحر) رفض فكرة التمديد لشركة «سوكلين»، طالبين إفساح المجال لشركات عالمية أُخرى لوضع خبرتها في هذا المجال. علماً أنّ العقد الموقّع مع «سوكلين» ينتهي في 17 كانون الثاني 2015، أمّا عقد شركتي Lavagette وbatco فقد انتهى في 30 حزيران الماضي، والشركتان تعملان بحُكم الممدّد لهما.
وتناوَل النقاش مطمَر الناعمة بنحوٍ مستفيض، وستتولّى اللجنة التفاوضَ مع شركة «سوكلين» لمعرفة تصوّرها لمعالجة الغازات الناتجة عن المطمر والتي تبقى فاعلةً على مدى عشر سنوات، وهي اقترحَت أن تولّد كهرباء من هذه الغازات بمعدل 5 ميغاواط، وبدأت بإنتاج نصف ميغاواط كتجربة، والبحث سيشمل كلفة التجهيزات والجهة التي ستتكفّل بها. واقترحَ بعض الوزراء إعطاء حوافز مالية لبلديات البلدات التي تأثّرت سلباً بالمطمر، وسترفع اللجنة تقريرها إلى مجلس الوزراء خلال أسبوعين.
كذلك بحث مجلس الوزراء في إنشاء خطّ التوتر العالي في المنصورية، وتمّ الاتفاق على تكليف رئيس مجلس الإنماء والإعمار معالجة الأمر مع الشركة المتعهّدة واستكمال المشروع، وأبدَت الحكومة استعدادَها لشراء منازل السكّان المتضرّرين وتأمين منازل جديدة لهم.
وطلب وزير التربية الياس ابو صعب من مجلس الوزراء تأمين الغطاء له من أجل تعميم قرار على المدارس الخاصة شبه المجانية، يمنع بموجبه استقبالَ طلّاب نازحين سوريّين، بعدما تبيّن له أنّ عدد التلامذة المسجّلين وصلَ إلى خمسة آلاف، في حين أنّ المدارس الخاصة جاهزة لاستقبالهم، وكلفة هؤلاء الطلاب تدفعها الدولة، لكنّ بعض الوزراء وجدوا أنّ هذا الأمر يحتاج الى دراسة قانونية، خصوصاً أن لا قانون يمنع المدارس الخاصة من استقبال تلامذة غير لبنانيين، فتأجّل البحث في هذا البند.
وعلمت «الجمهورية» أنّ وزير الخارجية جبران باسيل طلب الكلام في مستهلّ الجلسة ليدليَ بمداخلة سياسية، لكنّ سلام فضّل عدم الدخول في أيّ نقاش سياسي والمباشرة بالبحث في جدول الأعمال، علماً أنّه سبقَ اجتماعَ مجلس الوزراء حديثٌ عن استياءٍ أبداه سلام من تصريح باسيل
الأخير في الرابية، والذي تحدّث فيه عن «ممارسات داعشية» في حقّ وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» ونوّابه.
وقال باسيل لدى خروجه: «إنّ ما قاله في الرابية هو بيان تكتّل التغيير والإصلاح، ولا علاقة له بمجلس الوزراء، ونحن نشعر بأنّنا مستهدفون في السياسة والنيابة والرئاسة والإدارة بطريقة ميليشيوية، ونسكتُ عن أمور تحصل». وقال: «لا سكوت بعد اليوم في المرحلة السياسية الجديدة التي قرّر التيار دخولها».
العسكريّون المخطوفون
ومن جهة ثانية دخلت قضية العسكريين المخطوفين لدى المجموعات الإرهابية في جرود عرسال مدارَ الشروط التعجيزية وسلسلة من الروايات غير الموثوقة لا في مصادرها ولا في حجم صدقيتها. وعزّز هذا الاعتقادَ ندرةُ المعلومات الشفّافة التي يمكن الحصول عليها من المراجع المعنية التي تنتظر المعلومات المضمونة.
وعلى رغم التشكيك في صدقية ما يجري تداوله، قالت مصادر «هيئة العلماء المسلمين» لـ«الجمهورية» إنّ وفداً منها سيزور سلام اليوم للوقوف على حقيقة الموقف الرسمي ممّا هو مطروح من عملية مقايضة في ضوء الرفض الذي عبَّر عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق وصمتِ القيادة العسكرية، وخصوصاً عندما طُرح موضوع «المقايضة» بين بعض المخطوفين وعدد من موقوفي سجن رومية ومجموعات من المسلحين السوريين الذين أوقِفوا أثناء العملية العسكرية في عرسال وما تلاها من أعمال دهمٍ وبحثٍ عن مثيري الفتنة في المنطقة وتلالها، وصولاً إلى التوقيفات التي ترافق أعمال الدهم المتواصلة التي تقوم بها وحدات الجيش في هذه المنطقة أو تلك، وكان منها دهمٌ في منطقة البقاع الغربي عصر أمس انتهى بتوقيف ستّة سوريين مسلحين في مخيّم المرج للنازحين وأحيلوا، مع الأسلحة المضبوطة، بعد التحقيقات الأوّلية إلى المراجع القضائية العسكرية المختصة.
إلى ذلك، وعلى عكس أجواء «هيئة العلماء»، فقد أكّدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أنّ سلام ينتظر وفدَ الهيئة اليوم للوقوف على ما انتهت إليه الاتصالات التي أجرَتها في جرود عرسال وما نقله موفدوها في الأيام القليلة الماضية من معطيات وما يمكن أن يكون عليه الوضع في حال أصَرّ الخاطفون على ما لا يمكن قبوله من الشروط التي يطالبون بها.
إلى نيويورك
وعلى صعيد آخر علمت «الجمهورية» أنّ سلام سيرأس وفد لبنان إلى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك في النصف الثاني من أيلول المقبل، ويضمّ الوفد وزراءَ يمثّلون مختلفَ الكتل الممثّلة في الحكومة، وذلك في حال عدم انتخاب رئيس جمهورية جديد حتى ذلك الموعد.
ديمبسي
على خطّ آخر، قال رئيس هيئة الأركان المُشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي مساء أمس: «هناك فرصةٌ لهزيمة الدولة الإسلاميّة، إذا تمّت مهاجمة هذا التنظيم المُتطرّف في سوريا وليس في العراق فقط». وأضاف خلال مؤتمر صحافي أنّ «اندفاعة الدولة الإىسلاميّة تمَّ قطعُها بفضل الضربات الأميركيّة، لكنْ للقضاء عليها يجب مُهاجمتها في سوريا أيضاً».