غدا عيد المقاومة والتحرير. عيد الانتصار الحقيقي على العدو الإسرائيلي. عيد سطّره لبنان بمقاومته وشعبه وجيشه بالدماء والتضحيات. عيد قدّم فيه اللبنانيون نموذجاً يقتدى به في استعادة أرضهم وأسراهم ودحر جيش الاحتلال عن أرضهم بلا قيد أو شرط، لترتسم معالم أول انتصار من نوعه في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني.
غدا عيد جميع اللبنانيين، لا بل هو عيد كل العرب. غدا يطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في الاحتفال الجماهيري الذي يُقام في بنت جبيل إحياءً للذكرى الـ14 للتحرير، ويلقي خطاباً يتناول فيه معنى الانتصار ودلالاته، بالإضافة إلى الوضع السياسي ومستجدات ما بعد الفراغ الرئاسي في لبنان.
… ومع “النهاية الذهبية” لولاية الرئيس ميشال سليمان، اليوم، تنتهي حقبة من عمر الجمهورية نسجتها تسوية الدوحة قبل ست سنوات، لتبدأ مرحلة جديدة لا أحد يستطيع التنبؤ بمساراتها ونتائجها وأي رئيس جديد ستأتي به.
عملياً، يمكن القول إن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته اليوم، هو الابن الشرعي للفراغ، بحيث لم يجد رئيساً يستلم منه، ولا وجد رئيساً يسلمه. وهكذا دخل القصر الجمهوري من باب الفراغ وخرج مخلفاً وراءه الفراغ.
اليوم تنطوي “ولاية ذهبية” مثيرة للجدل توّجها رئيس الجمهورية بأكبر رقم قياسي في التجنيس ومنح الأوسمة وتعيين قناصل فخريين، ولا ينفي ذلك نعمة استقرار زنّر السنوات الست، ولو أنه ظل رجراجاً، سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً. وفي المقابل، تنتقل كرة الرئاسة إلى المجهول، في انتظار “كلمة سر” تقود مجلس النواب صاغراً لوضع ختمه على اسم رئيس سيتربع على العرش من الآن وحتى العام 2020، إلا إذا طال أمد الفراغ أو اختُصرت الولاية الرئاسية كما يردد البعض بعنوان “المرحلة الانتقالية” أو انسحب الفراغ ليهدد ليس مجلس النواب الذي تعطل بقرار مسيحي بدءاً من اليوم، بل ومجلس وزراء بات يحمل صفة القائم بأعمال رئاسة الجمهورية حتى انتخاب رئيس جديد.
صار الفراغ أمراً واقعاً، بدءا من صباح الخامس والعشرين من أيار، ومع ذلك، وبدل أن يشكل حافزاً لاستنفار وطني ركيزته الحفاظ على الاستقرار، يأتي من يبشر بالتعطيل الشامل للدولة كوسيلة لفرض التعجيل بإجراء انتخابات رئاسية لا تملك القوى المحلية لا القدرة ولا الإرادة على التقرير فيها.
ولقد أطلت نذر المنحى التعطيلي مع توجه معظم القوى المسيحية على ضفتي “8 آذار” و”14 آذار” نحو تعطيل مجلس النواب في مرحلة الشغور الرئاسي، مع إبقاء السيف مصلتاً على الحكومة من خلال “مقاطعة وزارية” أقرب ما تكون إلى الاستقالة مع وقف التنفيذ، هدفها تقزيم صلاحيات السلطة التنفيذية، إلى حدود تصريف الأعمال لا أكثر ولا أقل.
عندها، ليتخيل اللبنانيون بلداً شاغراً رئاسياً، معطلاً نيابياً، ومشلولاً حكومياً، فكيف ستعالج قضاياه من الأمن المحفوف بالمخاطر، برغم تراجع هاجس التفجيرات، إلى الملف الاجتماعي المشرع على احتمالات عدة، بسبب وجود كل “جيش الدولة” في الشارع، من إداريين وعسكريين إلى الأساتذة في التعليم الرسمي والخاص والأساتذة الجامعيين المتعاقدين وجمهور المستأجرين والمالكين على حد سواء، من دون إغفال واقع التذمر الذي يلف كل مؤسسات الدولة المدنية والأمنية بسبب ما أصابها من غبن واستنساب في قضية سلسلة الرتب والرواتب.
ولعل الطامة الكبرى، أنه في موازاة هذا المنحى التعطيلي، يبرز منطق آخر لا يقل سلبية، وحجته أنه كما سبق للبنان أن تكيف مع الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، ومع التعطيل المجلسي أيام حكومة فؤاد السنيورة والشلل الحكومي خلال مراحل تصريف الأعمال في السنوات الخمس الأخيرة، يمكن أن يتكيف مع الفراغ الحالي مهما كان شكله!
ويتقاطع هذا المنحى التعطيلي مع حملة يقودها البطريرك الماروني بشارة الراعي ويفترض أن يتوّجها في الأيام المقبلة بتوجيه نداء عام إلى المسيحيين والموارنة على وجه الخصوص لإنقاذ الرئاسة الأولى، والخروج من حالة “الانتحار الطوعي” التي قد تطيح المسيحيين نهائيا على حد تعبيره.
وإذا كان مسيحيو “14 آذار” قد حسموا قرارهم بمقاطعة مجلس النواب في مرحلة ما بعد الفراغ، فإن الصورة في المقلب الآخر، ولا سيما لدى “تكتل الإصلاح والتغيير”، تشي بـ”مقاطعة على القطعة”، فمن جهة “لا يجوز التصرف بعد الشغور الرئاسي، نيابياً وحكومياً، وكأن كل أمور الدولة تسير سيراً طبيعياً، وعليه سنشارك في جلسات مجلس النواب عندما تتناول أموراً مثل قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب، وسنبلور موقفنا أكثر مطلع الأسبوع المقبل”.
وإذا كان العامل الداخلي قد اصطدم بحائط مسدود، فإن الكرة الرئاسية باتت تلقائيا في الملعب الإقليمي ـ الدولي، وإن كان السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل يكرر دائما تمسكه بمقولة انه لا يزال في مقدور اللبنانيين أن يختاروا رئيسهم.
ولعل حماية الاستقرار في لبنان في مرحلة ما بعد 25 أيار هي الأساس الذي ترتكز عليه حركة الديبلوماسية الأميركية، مقرونة بنصائح إلى اللبنانيين بأن “لبنان قد خطف الاستقرار من أزمة المنطقة، والمطلوب ألا يخسره أو يفرّط به”.
وربطاً بذلك، تعكس أجواء الرابية حرص العماد عون على إبقاء باب التواصل مفتوحاً مع الرئيس سعد الحريري. ونقل عنه قوله: “لنعط هذا التواصل فرصته الكاملة، لأنه يمكن أن يؤدي إلى حل جيد”.