حاوَل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إنهاءَ الجدل حول موضوع التمديد لتعدّد أهداف المتحدثين فيه ومراميهم، فغرَّد مرحّباً بـ «يوم 25 أيار»، على أنّه «يوم آخر لم يشهد له مثيلاً منذ 47 عاماً»، وهو «ينتظره بفرح». ليكون الثالث من الأحياء في نادي الرؤساء السابقين للجمهورية. فما الذي يمكن أن يقوله إن حكى؟
يعترف الّذين واكبوا يوميّات سليمان منذ أشهر عدّة أنه لم يكن يتطلَّع الى 25 أيار ليشهد على بداية ولاية ممدّدة له. وهو عبّر عن ذلك في أكثر من مناسبة، لكنَّ البعض أصرَّ على هذه «التهمة» ولم يرد سماع ما قاله أكثر من مرة لجهة أنّه سيقف بقوة ضد كل أشكال تعديل الدستور. وجاء التمديد لولاية المجلس النيابي ليكشف عن توجّهاته في مواجهة مَن يُتقن «لعبة الوجهين واللسانَين»، فقاد مواجهة أكّد خلالها أنّ معارضته لا تقف عند تعطيل الإنتخابات النيابية، وهو موقف ينسحب على الانتخابات الرئاسية منتظراً اليوم الذي سيُسلِّم فيه الأمانة إلى خلَفه.
على خلفية «اسمعوا منّي ولا تسمعوا عنّي»، خاض سليمان المواجهة فلم يُخفِ غضبه أحياناً من مشاريع التمديد فاعتبر مواقف البعض منها «حمّال أوجه»، فمنهم من أراد «الإستزلام المرفوض» ومنهم من أراد ذلك لمصالح شخصية في مواجهة معارضيهم الى أن وصل بهم الأمر الى اعتماد التهديد من اجل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية في مواجهة فريق أراد معارضة الفكرة للتشفي من الرجل، تزامناً مع مواقفه الأخيرة التي تدرَّجت منذ كشف شبكة «سماحة – المملوك» بمجرد اعلانه أنه ينتظر اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد لتوضيح ما كشفه لبنان عن دور هذه الشبكة وأهدافها.
يُدرك سليمان أنّ ما يعوق التمديد كان إصراره على مواقفه التي إزدادت جرأة في مواجهة الحقائق المرّة في خطاب عيد الجيش 2013، عندما قال إنّ «المقاومة» التي خرجت من ثلاثيّتها، غادرت لبنان الى سوريا وتركت «الجيش والشعب»، وصولاً الى إشارته في خطاب «يوم الأرض» في الكسليك الى «الثلاثية الخشبيّة» بدلاً من «الذهبيّة»، فانفخت الدف.
في هذه الأجواء وفي معزل عن التحليلات الأخرى، يعترف سليمان أنّ إصراره على هذه المواقف بسقوفها العالية قد وجَّه رسائل واضحة كان يجب أن تكون مفهومة منذ ذلك التاريخ، وهي تقول بوضوح إنّه يرفض التمديد وعلى الذين يفاوضونه في هذا الأمر أن يدركوا أنّه يعرف حجم الأثمان المطلوبة. وهو رفض وما زال الأثمان المترتبة عليه ولن يدفعها لأحد طالما أنها لن تصبّ في مصلحة لبنان، فلم يتوقف عن كشف مكنونات قلبه رافضاً التنازل عن مواقفه وتعديلها مسايرة لهذه القوة او تلك.
يتطلّع سليمان الى المستقبل بثقة «الباني لمقوّمات الدور المنتظر من الرئيس المقبل للجمهورية وحمايته المسبقة»، فهو يرى أنّ المواقف التي واجهته لم تكن تستهدفه بمقدار ما رسَمت للخلف خطوطاً حمر وسقوفاً بدأت تتظهَّر من خلال توصيف البعض للرئيس العتيد.
يعتبر سليمان أنّه ترك للرئيس الخلَف كمّاً من الثوابت الوطنية، فهيئة الحوار أقرَّت ثوابت لا يمكن الخروج منها أوّلها «الحياد الإيجابي» الذي كرّسه «اعلان بعبدا» تزامناً مع سياسة النأي بالنفس التي نأت بلبنان الرسمي عن أهله الذين تورّطوا في سوريا كلٌّ بحجم قدراته ووسائله المادية والعسكرية، كما ترك له مشروعاً للإستراتيجية الدفاعية التي لا يمكن إلّا أن تكون أساساً متيناً في أيّ نقاش مستقبلي حول مصير السلاح غير الشرعي.
ويسأل سليمان مَن يفاتحه في موضوع التمديد: ماذا يمكنني فعله في سنة او سنتين او ثلاث؟ هل تغيَّر واقع لبنان والمنطقة لأعِدَ اللبنانيين بالتغيير في خطاب قسم جديد؟ هل تغيَّر قادة الرأي في لبنان و» قادة المحاور» فيه؟ من ضمن فتح طريق المطار بعد تشكيل المجلس العسكري لآل المقداد إثر خطف الطيّارَين التركيَّين في منتصف آب 2012؟ هل يمكن بقرار لبناني – إن وُجد – وضع حدّ لتورّط اللبنانيين في سوريا؟ هل يمكن مواجهة تردّدات ما تشهده سوريا على الساحة اللبنانية؟ هل يمكن القيام بأكثر ممّا أنجزته مجموعة الدعم الدولية لمواجهة الأضرار التي لحقت بلبنان واللبنانيين؟ هل كان هو المسؤول عن القطيعة العربية، والخليجية تحديداً، التي هدمت مقوّمات الإقتصاد والسياحة ولامست الليرة لو لم تكن هناك إجراءات حماية ناجحة وفَّرت لها الإستقرار القائم؟ وهل كان يمكن ان يبقى لبنان حاضراً في المنتديات الدولية لولا العلاقات التي نسجها مع الدول الكبرى وخصوصاً الدول الخمس الدائمة العضوية والتي تتناحر في سوريا وأوكرانيا وفي اكثر من مكان في العالم وتلتقي على دعم لبنان وحمايته؟
ويضيف: «لقد انتهى العهد أفضل بكثير ممّا بدأ. كان الإنقسام اللبناني بين ثنائية الضاحية والسرايا عنواناً لمرحلة من أخطر المراحل التي إجتازها لبنان، وبعدما لجَم الجيش بقيادته كثيراً ممّا كان متوقعاً نجح في العبور بالبلاد خلال الأعوام الأولى من العهد من حال الى حال حتى انفجرت الأزمة السورية فبدأت تردّداتها في طرابلس والبقاع، وتكثفت عمليات الخطف والقتل.
وبعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي إثر ثلاثة أعوام من الجمود السياسي القاتل أمضى رئيس الجمهورية 11 شهراً في معالجة اوضاع طرابلس والتدهور الأمني على طول الحدود اللبنانية – السورية شمالاً وبقاعاً، وصولاً الى مسلسل العمليات الإنتحارية المستوردة من سوريا، فكان المجلس الأعلى للدفاع وسيلة استخدمها بديلاً من المؤسسات والسلطات لإدارة الأزمات الأمنية ومواجهة الإعتداءات الإسرائيلية والسورية. ولا ينسى أحدٌ أنّ العالم أجمع على أنّ رئاسة الجمهورية كانت المؤسسة الوحيدة التي حافظت على وحدة اللبنانيين فبقيَت على تواصل مع العالم الخارجي في ظلّ إقفال مجلس النواب على ادواره التشريعية، وشلل العمل الحكومي.
ولا يَنسى سليمان الإشارة الى الفترة التي أُقرَّت فيها كل الخطط الأمنية للبقاع وطرابلس قبل أن تولد «الحكومة الجامعة» وجُيِّرت لها الخطط جاهزة ومنها الخطة المثلثّة لطرابلس تحت شعار «الأمن والإنماء والمصالحة»، وهو الشعار الذي رفعه الوزير السابق للداخلية مروان شربل تزامناً مع حصوله على سمات هجرة لقادة «الحزب العربي الديموقراطي» ورفعت عيد أحدهم، لإبعادهم عن المدينة من أجل إنهاء وضع طرابلس واستعادة إستقرارها، وتمّ الترخيص كذلك لشركات أمنية بهدف استيعاب مسلّحي طرابلس من كل الفئات بدلاً من مشاريع استيعابهم او ضمّهم الى القوى الأمنية لتفتيتها ربما، فردَّ البعض كل هذه الإنجازات التي أعقبت تأليف الحكومة الى أطراف وتفاهمات خارجية اقليمية ودولية متنكّرين إعلامياً لكلّ ما أنجزه اللبنانيون».
ويسأل: هل انتهت مأساة أيّ مدينة كما انتهت اليه أزمة طرابلس؟ هل انتهت أيّ حرب داخلية مهما كانت اسبابها بتوقيف قادة محاورها أو استسلامهم وفق ما حصل اليوم، ام أنهم باتوا قياديين في الإدارات والمؤسسات والصناديق والمجالس فزادوا في نحرها وتحوَّل بعضها الى كل شيء إلّا إلى مؤسسات لكل لبنان واللبنانيين؟ هل كان ممكناً أن يختتم العهد بالتعيينات الإدارية الشاملة التي عجزت عنها الحكومات السابقة وكأنّ العهد في بدايته ولا يشرف على آخر ايامه؟
قد يطول كلام رئيس الجمهورية أكثر من ذلك بكثير، فالمقال ليس كتيّباً، ولا يتَّسع للحديث عن الإستقرار المالي والإقتصادي والتربوي، وما أُنجز على مستوى قوانين اللامركزية الإدارية، وانجازات العهد الرياضية والإنمائية الأخرى، والتحسينات التي أُنجزت في القصر الجمهوري وتأسيس دوائر جديدة فيه، منها من يتولّى الاهتمام برؤساء الجمهورية السّابقين، ولن تتبخَّر بمجرد تصريح من هنا او هنالك يؤكد أنّ العهد انتهى وأنّ سليمان لن يبقى دقيقة واحدة في القصر الجمهوري بعد منتصف ليل 24 – 25 ايار. فهو مطمئن ومصمّم على أنّه سيعمل حتى اللحظات الأخيرة من عهده قبل المشاركة في احتفالية غير عادية تشهد خطاب الوداع، وهي قريبة… فلننتظر!