جردة حساب 6 سنوات من العهد
سليمان يُثير في خطاب الوداع إشكاليات دستورية
يبدو من الصعوبة بمكان تبيان مسار ست سنوات من مسيرة العهد الرئاسي للرئيس العماد ميشال سليمان، في ظل ما شهده من أحداث وتحولات صعبة ومعقدة في المنطقة والعالم.
إلا أن ما حمله عهده من تحديات، سيظل مستمراً مع العهد المنتظر في ساحة الشغور التي فتحت الباب واسعاً على ثغرات اساسية في بنية النظام تحتاج الى حسم سريع بعقل بارد، ووفق توجه منفتح على البحث الموضوعي المنزّه عن الخلفيات الطائفية والمذهبية، في ظل الجدل القائم راهناً حول هل يكون رئيس الجمهورية في لبنان توافقياً أم رئيساً يسعى الى صياغة الحلول؟.
الإشكالية التي تفتح باب النقاش مع نهاية العهد هي ان هناك أزمة مبدئية في مقاربة الرئاسة وشخص الرئيس، بين من يقول إن رئيس الجمهورية، وفق دستور الطائف، ليس بإمكانه ان يصنع حلولا، وإذا اقتنع بذلك إنما يكون في موقع إدارة حوار وطني والتوافق على مشتركات تترجم حلولا، حينها لا بد من رئيس جمهورية توافقي، وعليه ان يكون من اول يوم الى آخر يوم من ولايته الرئاسية توافقياً. اما اذا كان الاعتقاد، كما يرى آخــرون، ان رئيــس الجمهورية هو الذي يصنع حلولا، فهذا يعني دخــوله تلقــائياً بمشاكل مع الأفرقاء الذين تتشكل منهم الحياة السياسية، لأن في لبنان لا توجد جهة واحدة تصنع حلولا حتى لو كان رئيساً للجمهورية، ما دام البند (ي) من مقدمة الدستور يختصر كل البعد الميثاقي لجهة مشاركة كل المكونات الطائفية في إنتاج الحل على قاعدة ان لا شرعية لأي سلطة تناقض صيغة العيش المشترك.
خلال مسيرة عهده، كان سليمان على قناعة في المرحلة الاولى انه رئيس توافقي وعمل على تدوير الزوايا من منطلق وسطيته، وهناك من كان يرى ان هذا السلوك المستند الى الحوار الدائم لا ينجز شيئاً، ووصل الحد بالبعض الى القول في السنوات الاربع الاولى من العهد انه لم يفعل شيئاً. والصحيح أن ما أنجز في ثلثي العهد كبير، والأهم أنه أنجز ما هو مطلوب منه كرئيس للجمهورية. اما في الثلث الأخير (اي في السنتين الأخيرتين) فلم يسع سليمان الى صناعة الحلول لأن آلية الحكم لا تسمح له وحده فعل ذلك، لذلك عمد الى الإضاءة على جملة من المبادئ الاساسية، وعبّر عنها في بعض الأحيان بطريقة أثارت انفعالا عند الافرقاء وبنسب متفاوته، ولكن لو تم التعبير عنها بطريقة مختلفة لنُظر اليها على انها مبادئ.
في جردة الحساب العناوين التالية: تحييد لبنان وليس حياده، الإستراتيجـية الوطنية للدفاع، العمل لإنشاء مجموعة الدعــم الدولية الخــاصة بلبنان، تعزيز التواصل مع الانتشــار اللبــناني، ترؤس مجلــس الامن الدولي، ترؤس جامعة الدول العربية، العمل الناشط عربياً وإقليمياً ودولياً حول ملفات متعددة، الحوار حول امور وطنية لبنانية عبر هيئة الحوار الوطني.
لم يسع سليمان الى فرض حلول في آخر سنتين من عهده، انما عمل على تحريك امور محدّدة من خلال مواقفه التي ربما لو تم تلافي بعض العبارات فيها لكانت قابلة للنقاش من دون ان يتحول اي موقف الى موضوع خلافي حاد، ومنها الإستراتيجية الوطنية للدفاع والتي اعتبر النقاش حولها كمن يضع العربة امام الحصان، بسبب التفسيرات التي أعطيت لبعض العبارات. بالتالي فإن ميشال سليمان قدّم نفسه على أنه توافقي وتوفيقي ووسطي ومعتدل يسعى الى اقتراح الحلول والتوافق عليها وليس فرضها. اما في موضوع المقاومة والتحييد فإنه كان موجهاً ضد استخدام لبنان ممراً للسلاح والمسلحين من لبنان الى سوريا على خلفية باخرة السلاح «لطف الله 2».
كما أثارت مواقف سليمان حول الثغرات الدستورية حساسية لدى فريق معين، علماً أنه لم يكن يسعى لتعديل الدســتور انما الإضــاءة على نقاط الخلل على قاعدة وجــود نصوص ناقصة وأخرى غامضة. وقد حاول القول أكثر من مرة إنه يجب سد الثغرات عبر نصوص جديــدة او توضيح النصوص الغامضة، الا ان ردة الفعل كانت قوية لجهة القول إن الطائف لا يمسّ.
في خطاب الوداع غداً السبت، سيعيد سليمان الإضاءة على الثغرات الدستورية على قاعدة ان اي تعديلات دستورية يدعو إليها ليس هدفها إعطاء صلاحيات لرئيس الجمهورية وإنما للسماح لعجلة الدولة بالعمل، وكذلك موضوع اللامركزية الادارية.
بعيداً من كل العبارات التي اثارت جدلا مع افرقاء وصلت الى حد القطيعة، فإن سليمان وضع مبادئ لقضايا اساسية يتوقع أن يأتي اليوم التي تطرح فيه تلقائياً على بساط المعالجة، على قاعدة ان الوحدة الوطنية بعناصر قوتها هي السبيل الافضل في مواجهة التحديات وفي مقدمها العدو الاسرائيلي، وميشال سليمان اول من راهن على هذه الوحدة إبان قيادة الجيش وفي سدّة الرئاسة.