لأوّل مرّة، يحترمنا مرشّح للرئاسة ويقدّم لنا برنامجه لفترته الرئاسية، بدلاً من أن ننتظر لنسمعها بُعيْد انتخابه وفي لحظة قيامه بأداء «القسم»، ولأوّل مرّة نجد أنفسنا أمام «رجل دولة» من خامة مختلفة وطراز رفيع، و»صادق» في وقت أصبحت فيه السياسة اللبنانية وسياسيّوها «معجونين» بالكذب طحناً وعجناً وخبزاً، «حكيم لبنان» الدكتور سمير جعجع، «فخامة الرئيس» الآن في العام 2014 أو في العام 2020، هو مرشّح المسلمين قبل المسيحيين ـ بل ربّما أكثر منهم ـ لمنصب رئيس الجمهوريّة، وهو في هذا على عكس تجربة الرئيس الشيخ بشير الجميّل في العام 1982 والذي روى مرّة الراحل غسان تويني أنّ عبد الحليم خدّام أبلغه في اتصال هاتفي أنّ: «بشير الجميل انتخب لكنّه لن يحكم»، وفعلاً قتله النظام السوري بأيدي أزلامه التاريخيين في قتل «الرؤساء والقيادات»!!
بشير الجميل استطاع بعد عشرين يوماً على انتخابه أن يشقّ طريقه إلى قلوب اللبنانيين المسلمين وإن على حذر، سمير جعجع يجسّد اليوم «طموح» أكثر بكثير من نصف الشعب اللبناني بمسيحييه ومسلميه و»حلمه» برئيس قويّ وجمهوريّة قويّة تعيد إلينا الدولة اللبنانيّة التي «خرجت ولم تعد» منذ حقبة حكم «السفارة المصرية» للبنان أيام جمال عبد الناصر، والتي «ورث» بعدها هذه الرغبة الجامحة «النظام السوري» الذي لم يجد استقراره إلا في خراب لبنان!!
في 21 نيسان 1994 حمل سمير جعجع حقيبته، بإرادته، وبكامل شجاعته، وغادر غدراس «مقبوضاً» عليه من قبل «النظام السوري» وإن بأيدٍ وهيئة لبنانيّة، قبل هذا التاريخ وعلى مدى أكثر من عامين كان سمير جعجع الذي رفض توزيره ثلاث مرات عُرضة لشائعات كثيرة وحملاتٍ شعواء شنّها ضدّه النظام السوري، ومن بين تلك الشائعات واحدة سمعتها شخصيّاً في جونية تروّج لانقلاب عسكري سينفّذه جعجع يقفل خلاله نفق نهر الكلب ويُعلن الدويلة المسيحيّة!! اليوم اكتشف اللبنانيون ـ بعد فوات الأوان كالعادة ـ أن الدويلة كانت تقام في مكان آخر!!
وللمفارقة كان «العونيون» الأكثر نشاطاً في نشرهذه الخرافات عن الرّجل، والنظام السوري كان الأكثر فهماً لطبيعة سمير جعجع الصلبة فقد خبرها هذا النظام جيداً بعدما فكَر «حصان طراودة النظام» ـ يومها ـ إيلي حبيقة بحسم عسكري يبدأ باحتلال المتن، من أجل فرض الاتفاق الثلاثي على حالة الرفض الجماعي المسيحي له، وطلع فجر الاثنين 13 كانون الثاني 1986 على المناطق الشرقية حاملأً النار والبارود، بينما الرئيس الجميَل في بكفيا يستعد للصعود إلى الهليكوبتر التي ستنقله إلى دمشق ليعقد فيها والرئيس حافظ الأسد القمة «الحادية عشرة» في أربع سنوات من الحكم، وفي اليوم التالي، وصباح الأربعاء 15 كانون الثاني، حسم «الحكيم» اللحظة وأسقط الاتفاق الثلاثي إلى الأبد، ومن يومها اشتعل «حقدٌ» في صدر النظام السوري على سمير جعجع وهو غير مسبوق على شخصية لبنانيّة إلا كمال جنبلاط ورفيق الحريري، ويوم أسقط سمير جعجع الاتفاق الثلاثي، حمى الجمهورية اللبنانيّة ولبنان من الزوال، ورغم كلّ الاتهامات للرّجل بـ «الكنتنة» [من كانتون] أثبت في العام 1986 تمسّكه بهذه الدولة وحال دون تذويبها وإلحاقها كمحافظة تابعة لسوريا التي لم تتنازل يوماً عن هذا الحلم!!
الدكتور سمير جعجع ومنذ 26 تموز العام 2005 قدّم للبنانيين يومياً نموذجاً لم يظنوا يوماً أنهم سيقعون عليه بين سياسييهم، رجل جذريّ التفكير والقيم والمبادئ، صلب وشهم وشجاع، مسيحيٌّ مؤمن متأمل، باحث عن الإنسان وصهر تجربته في أعماقه في كلّ لحظة، «عاقل» وسط غابة «مجانين» السياسة»، «بصيرٌ متبصّر» وسط «عميان» شهوة أفقدتهم صوابهم للحكم، لبنانيّ حقيقيّ منذ حمل بندقيته في منتصف سبعينات القرن الماضي دفاعاً عن لبنان وفي وجه مشروع تهجير مسيحييه، وما زال حتى اليوم مدافعاً شرساً عن لبنان ـ مسلميه ومسيحييّه ـ في وجه الأجندات الخارجية..
أيها اللبنانيون اطرحوا السؤال على أنفسكم: من القيادي اللبناني الذي يكرهه النظام السوري؟ والإجابة التي شارف عمرها على عقود أربعة هي «سمير جعجع»… واطرحوا السؤال على أنفسكم: «من القيادي الذي لم يتردد حزب الله في إرسال طائراته بدون طيار ليهدد بها معراب وساكنها، ومن القيادي الذي أرسلت إيران قناصتها المحترفين لاغتياله عن بعد برصاصات غادرة؟ والإجابة هي «سمير جعجع»، عندها تعرفون لماذا تستدعي المرحلة أن يكون الدكتور سمير جعجع رئيس الجمهورية القوية، و»إنّه هو الآتي باسم لبنان» وسواءً انتخب الحكيم رئيساً أم لم ينتخب سيبقى من موقعه رجل لبنان والمؤتمن عليه بامتياز.