IMLebanon

سمير قصير… و”الثورتان”!

كانت انتفاضة ١٤ آذار لا تزال ضاجة يافعة، في مقتبل انطلاقتها الهادرة حتى الغرور، حين انبرى فجأة سمير قصيـر يسنن قلمـه نقـداً لطـلائع تفلتـات فيهـا غـالبـا مــا تطبع اي “ثـورة”. كان ذلك فـي ايــار ٢٠٠٥ اي قبــل اغتيـالـه بوقت قصيـر وهـو الـذي عُـدّ، وعـن حـق، العقـائدي الأشـد راديكالية في رسم الاطر والشعارات الضاجة لتلك الانتفاضة.

لا نسوق ذلك في الذكرى التاسعة لاستشهاد سمير قصير على سبيل استعادة بعض سيرته، وهي ليست من نوع السير القابلة للمحو مع “الكاتب” الذي يعصى على الفناء، وليس جميع الكتاب كذلك بطبيعة الحال. بل ان المناسبة تفرض سنة فسنة، بعد تراكم السنين، حضورا مختلفا لصاحب الذكرى تبعا لرسم بياني افتراضي يقاس بلحظة الغياب وما كان يمكن ان يكون عليه فكره وليس اي شيء آخر “لو” ظل حياً. إنها اشد تعاسات البشر فعلا ان يظلوا يطاردون شهداءهم كأنهم أحياء رفضا لفكرة الموت سواء كان موتاً طبيعياً او اغتيالا بما يعني ان كل موت هو فعل اغتيال.

بذلك يحضرنا الآن تحديدا عصيان سمير قصير على الخضوع للاحباط الذي قال فيه إنه “ليس قدراً”. الرجل كان من طينة معاندة حتى الشراسة وعلى شغف هائل بالنقد اللاذع الذي كان يبلغ فيه مرات حدوداً يصح ان توصف بالاستعلائية حتى على “الرفاق”. لم يتردد عن تقدم صفوف الانتفاضة كما لم يرعو عن المسارعة الى افتتاح مواسم نقدها وهي في غرة الضجيج بعد. تبعاً لذلك، هل من يسأل اليوم تلك “الثورة” بما ألمَّ بها بعد تسع سنوات من انجازات واخفاقات، وصعود وهبوط، وعقائديات وواقعيات، ماذا تراها فاعلة والى أين، وماذا عن اليوم التالي والذي يلي التالي؟

انتفاضة ١٤ آذار في لبنان والربيع العربي بمعايير سمير قصير كانا شيئا أشبه برومانسية غابرة قياسا بواقع احياء الذكرى التاسعة لاغتياله. لا هو أخطأ في نظرة فائضة الى ثورة وربيع كان يراهما من منظار ديموقراطية الاحرار الآتية على صهوة التحرر من الوصاية والانظمة الديكتاتورية، ولا تلك الثورة او ذاك الربيع وفرا دماء وشهداء وشجعان. انه بمعاييرنا نحن الأحياء الثمن القاتل المتراكم المتواصل لحرب لا نهاية وشيكة لها في شرق يثبت كل يوم ان محنته القاتلة هي الجفاف الديموقراطي والتصحر العلماني حتى لدى الثوار، ولو ظل لبنان متمايزا بعض الشيء عن سائر أنحاء الاقليم الغارق في لجج وحمم وفوران دموي عميم. وحتى سمير قصير كان ليعترف بهذا القدر القاتل من الظلامية ولو لن ييأس.