انتقل المشهد السياسي في المنطقة خلال سنة واحدة، من انفتاح بين الولايات المتحدة وايران على خلفية لقاءات بعيدة من الاضواء توّجت في لقاء على هامش أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك في ايلول الماضي بين الرئيس باراك اوباما وحسن روحاني، وسط غضب عربي لتغييب الحلفاء الخليجيين لاميركا عن اجواء هذا الانفتاح ومخاوف من اتفاق اميركي – ايراني يطلق يد طهران في منطقة الشرق الاوسط، الى تحالف دولي مع الدول العربية من اجل دحر تنظيم “الدولة الاسلامية” عشية انعقاد الجمعية العمومية في نيويورك خلال اسبوعين. هذا المشهد على جانب كبير من الأهمية، من زاوية ان التعويل الاميركي على التحالف مع الشيعة في المنطقة نتيجة لرغبة الرئيس الاميركي في انهاء الملف النووي الايراني خلال ما تبقى من ولايته الثانية والمخاوف التي اثارها على هذا الصعيد، تتم موازنته في هذه المرحلة بتحالف مع الدول العربية السنّية التي تحتاج اليها الادارة الاميركية من اجل الحرب التي تشنها على “داعش”. والتعاون مع ايران غير متاح في هذا الاطار، خشية الا تكون الطرف المناسب لذلك في ظل احتدام الصراع الشيعي السني في المنطقة على ما حصل، بتراجع ايران نسبيا عن الواجهة في التصدي لـ”داعش” في العراق وترك المجال لعودة الولايات المتحدة الى الساحة العراقية، وخشية ألا تتعاون دول الخليج السنّية في حال التعاون مع ايران، علما ان الاخيرة هي على نقيض كلي في استراتيجية مواجهة داعش في سوريا التي ترغب الولايات المتحدة مع الدول العربية في ان تعول على المعارضة كبديل ميداني يشغل الفراغ نتيجة ضرب “داعش”، في حين ان ايران لا تزال تدعم بشار الاسد من اجل استرجاع ما خسره في حربه الاهلية.
وكان لافتا في سياق التطورات الاخيرة، وتزامنا معها، استئناف المفاوضات على الملف النووي الايراني بين الولايات المتحدة وايران الاسبوع الماضي، ثم بين ايران والدول الغربية الاخرى هذا الاسبوع، بحيث يفترض ان تؤدي الى نتائج قبل نهاية تشرين الثاني المقبل. وتقول مصادر سياسية ان الدول الخليجية استردت الولايات المتحدة الى خانتها في شكل ما، في ضوء النقزة المستمرة مما يمكن ان يؤدي اليه تطبيع العلاقات الاميركية الايرانية واحتمال تسليم اميركا لايران بنفوذها الواسع في المنطقة بعد الاتفاق على الملف النووي او ثمنا له. وقد كانت بداية هذا المسار من اعلان اوباما مرارا في الآونة الاخيرة فشل الحكم الشيعي في العراق الذي يتحرك برعاية ايران لاهماله السنة وعدم امكان المحافظة على وحدة العراق من دون المكوّن السني، وكذلك الامر بالنسبة الى استحالة حكم بشار الاسد اكثرية سنية في سوريا ايضا. وجاء استكماله من خلال انخراط اميركي عملاني وشراكة مع المملكة العربية السعودية على تدريب المعارضة السورية المعتدلة لكي تكون جاهزة للمرحلة المقبلة.
هذا الجانب من المشهد، وفق مصادر سياسية، مهم من جوانب عدة، ولو ان الاحداث او التطورات التي أدت اليه لم تكن مرسومة من اجل ان تؤدي الى هذه النتيجة نظرا الى ان توسع تنظيم “الدولة الاسلامية” ساهمت فيه عوامل عدة لا عاملاً واحداً محدداً، وتم توظيفه من جهات عدة لمصالح وأهداف مختلفة. لكن كان من شأن التحدي الذي اثاره ان يساهم في اعادة ارساء التوازن نوعا ما من ضمن مظاهر صراع مذهبي حاد في المنطقة، أشعل دولا عدة فيها ولا يزال يهدد دولا اخرى. فقد أعاد الولايات المتحدة قسرا الى العراق مجدداً، وبطلب عربي ودولي وغطاء شعبي ورسمي اميركي ايضا وانتقاد واسع لانسحابها المبكر منه كما لعدم انخراطها مجددا في المنطقة من اجل انقاذ العراق والمنطقة من تنظيم “الدولة الاسلامية” والمخاطر التي يرتبها على المنطقة ككل. هذا الأمر يساهم وفقا للمصادر في ان تكون الولايات المتحدة لاعبا ميدانيا لا يمكن تجاهله، ويمكن ان يؤدي دورها الى تغيير المعادلات والتوزانات في المنطقة، وخصوصا اذا كان لهذا الدور ان يمتد سنوات وفقا لتحديد الرئيس الاميركي لمفهوم الحرب الطويلة الامد على “داعش”، مما يرجح توريث اوباما خلفه استكمال هذا الدور بعد انتهاء ولايته، إذا نجح في تنفيذ الخطوات الاولى من الاستراتيجية التي اعلنها للتخلص من “داعش”، علما ان حسابات الحقل قد لا تنطبق ضرورة وحكما مع حسابات البيدر بالاستناد الى تجارب اميركية، خصوصا في الحرب ضد الارهاب. كما ان الحسابات الايرانية او العربية قد لا تستمر متلاقية حول هدف استئصال “داعش”، كما هي الحال في العراق على الاقل وفي سوريا أيضاً، لكن من دون التوافق على الحل في هذه الاخيرة.
وما يعني المصادر السياسية من هذا المشهد الاقليمي، ان لبنان قد يشكل نموذجا مصغرا في شكل من الاشكال لاوجه الصراع والتوازنات. وهذا النموذج يبرز عبر التحرك الاميركي في اتجاه دعم الجيش اللبناني المتحرر من الضغوط السياسية المعتادة التي كانت تترجمها مواقف افرقاء كثر من المحور الايراني السوري كانوا يرفعون اعتراضاتهم بقوة، في حين انهم باتوا لا يعترضون على مد اميركا الجيش اللبناني بالعون وتسليحه، وخصوصا في مواجهته الارهاب، في حين يتم الاعتراض على هبات سعودية مليونية لمساعدة الجيش في اطار رفض ترجيح كفة توازنات اقليمية في لبنان او موازنتها.