يرى مراقبون أن إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تخوّفه من أن تقصف الولايات المتحدة الأميركية مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، يحمل في طيّاته رسالة متعدّدة الوجوه.
لا شك في أنّ لافروف لا يطلق مواقفه السياسية من دون تحديد وجهتها وأهدافها، وإعلانه هذا يندرج ضمن سياقين لا ثالث لهما، إما أنه يأتي في إطار مروحة المواقف التحذيرية التي لم تنفكّ موسكو عن إطلاقها منذ بدء الأزمة السورية، وخصوصاً أنها تمسّكت، ولا تزال، برفض أيّ نوع من التدخلات الخارجية في الأزمة السورية.
أو أنّ لافروف وجّه دعوة مبطنة إلى الإدارة الأميركية لفتح قنوات الحوار المباشر مع النظام السوري لتغطية حربها على الإرهاب التي بدأ يحشد لها وزير الخارجية الأميركية جون كيري في المنطقة، إذ إن لافروف لم يستثن إمكانية التدخل الخارجي، ولكنه اشترط الحصول على موافقة الحكومات المحلية.
ليس خفيّاً أن السياسة الأميركية في الأزمة السورية لم تحقق أهدافها، إن لم نقل فشلت، فمنذ آذار 2011، لم تتمكن واشنطن من تجسيد أي من الشعارات التي رفعتها، بدءاً من إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد من خلال دعم المعارضة المسلّحة، وصولاً إلى محاولات تمرير سيناريو «المرحلة الانتقالية» في مؤتمري جنيف، بهدف إزاحة الأسد عن السلطة.
وليس خفيّاً أن الإدارة الأميركية حاولت خلال الأشهر الماضية مد خيوط التواصل مع دمشق عبر قنوات ديبلوماسية غربية وعربية، بالتزامن مع تخفيف حدّة خطابها تجاه النظام السوري. وبحسب مصادر برلمانية روسية فقد مارست واشنطن ضغوطاً كبيرة على حلفائها في أوروبا لاتّباع نهج خفض سقف المواقف، وخصوصاً على باريس ولندن، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك، إذ إن التهديد والوعيد والتصريحات النارية تجاه دمشق قد غابت إلى حد ما عن مواقف عاصمتي السياسة في القارّة العجوز خلال الأشهر القليلة الماضية.
وتعتبر المصادر أن مواقف لافروف في الشأن السوري هي بمثابة سيف ذي حدين بالنسبة إلى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإما أن تبقى واشنطن مستمرّة في سياساتها وبالتالي البقاء في حالة «مكانك راوح»، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع بورصة نفوذها، ما يعني أنها ستزداد ضعفاً في الشرق الأوسط، بعدما خسرت كثيراً من رصيدها لدى الحلفاء،
ولا سيما منهم العرب على خلفية مواقفها غير المنتجة من القضيتين السورية والفلسطينية، وإما ستخضع للأمر الواقع وتتلقف الفرصة وتفتح قنوات الاتصال مع الحكومة السورية لكي تتمكن من المساهمة في القضاء على الإرهاب في المنطقة، لأن من المستحيل أن يتم تحقيق ذلك من دون تعاون دولي ومحلّي نظراً إلى القدرات العسكرية والتقنية والبشرية التي بات يملكها تنظيم «داعش» وتوابعه في كل من سوريا والعراق وغيرها من دول الجوار. وترى المصادر أن هذا الخيار سيضعف حضور واشنطن أيضاً، إذ إنه يكشف عدم فعالية الاستراتيجيات السياسية والعسكرية التي تتغنى بها الولايات المتحدة.
بالطبع لم يعلّق صنّاع السياسة الخارجية في واشنطن على تصريحات الديبلوماسية الروسية، إلا أنّهم، وكما جرت العادة، حاولوا استغلال منبر الأمم المتحدة، وهذا ما تجلّى بإعلان أمينها العام بان كي مون بأن «الأولوية في مواجهة تنظيم «داعش»، هي من خلال تشكيل تحالف دولي لا يتطلب بالضرورة قراراً آنياً من مجلس الأمن الدولي»، الأمر الذي رأت فيه أوساط الخارجية الروسية مصادرة لدور مجلس الأمن بهدف توفير غطاء «للحشد الدولي» الذي يعمل كيري على تشكيله حالياً في المنطقة، ما يعني أن الأزمة السورية عادت إلى واجهة العلاقة بين واشنطن وموسكو.