IMLebanon

سيادة البطريرك: إنها فرصتنا الأخيرة

سيادة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي،

تحيّة وسلاما،

نخاطبكم اليوم، ونحن المسيحيين على مفترق طرق كبير في حياتنا السياسية في لبنان.

نخاطبكم لأنّكم تحملون راية المسيحيين، وأنتم أَبُهُم الروحي، وتحاولون جاهدين مَنْعَ تهميشهم في الحياة السياسيّة.

سيادة البطريرك،

منذ العام 1990، هُمِّش المسيحيون في لبنان، واغتُصب قرارُهم، فكان تمثيلهم مقتصراً على بعض الوجوه المسيحيّة في الشكل، والخالية من أيّ وجدانٍ مسيحيّ – شعبيّ في المضمون. هذا ولم تَقِفِ الأمورُ عند هذا الحد، إذ تمّ التنكيل بمن طالب منهم بالحريّة والسيادة والاستقلال، فاضطُهد، وضُرب، وسيق إلى المحاكم، ورُمِيَ في السجون، ما دفع بقسم كبير منهم إلى اليأس، فهاجر البعض، واعتكف بعض آخر، فيما واصل قسم صغير نضاله.

سيادة البطريرك،

بعد العام 2005، عاد المسيحيون ليحلموا بالشراكة الفعلية في السلطة، فجاءت الانتخابات النيابية لتفرز قياداتٍ مسيحيّةً، تختلف عن سابقاتها لأنّها بمعظمها، تعبّر حقيقةً عن الوجدان المسيحي، إلاّ أنّ القانون الانتخابي الجائر الموروث من الحقبة السابقة، حال دون حصولهم على حقوقهم كاملة، فهُمِّش حوالي 450 ألف مسيحي من خلال تقسيم مناطقيّ لدوائر انتخابيّة، حوّلتهم إلى أقليّات وسط محادلَ طائفيّة. وهكذا انقسم النوّاب المسيحيون بين ممثلين فعليين عن الرأي العام المسيحي، وممثّلين بالوكالة منتخبين من أكثريّة أرستها ترسّبات سنوات التهميش السابقة.

سيادة البطريرك،

نحن نعلم أنّكم تدفعون باتّجاه انتخاب رئيس جديد منعاً من الفراغ، وتأمينا لشراكة للمسيحيين في هذا الوطن، تماماً كما دفعتم باتّجاه إقرار قانون جديد للانتخاب يؤمّن المناصفة الفعليّة، وبالتالي مشاركة حقيقية للمسيحيين، إلاّ أنّ مساعيكم وصلت إلى حائطٍ مسدود، بعد تخلّي بعض القادة المسيحيين أنفسهم عن حقوق ممثّليهم.

ولكن يا سيّدنا، شتّان ما بين الشراكة الفعلية والشراكة الصّورية، خصوصاً أنّنا خبرناها في زمن الاستقلال مع ولاية الرئيس ميشال سليمان.

وقد التمسنا في بعض المواقف التي سُرّبت عنكم، أنّكم تحاولون ملء هذا الفراغ برئيس مسيحيّ يشبه الرؤساء والنوّاب المنتخبين في زمن الوصاية وزمن التهميش الذي لحق بالوصاية. نرجو ألاّ يكون ما سُرّب صحيحاً، ولكن إن صحّ، فنحن نتفهّم أنّ خياركم هذا نابع من إيمانكم بضرورة توافق اللبنانيين لاستنهاض الوطن وبناء مؤسّساته بتضافر جهود جميع أبنائه. نعلم أنّكم في سعيكم هذا، تحاولون تجنب السجال الحاصل بين القيادات المسيحيّة نفسها، ولكن…

سيادة البطريرك،

أنتم من حملتم راية الشراكة والمحبّة. أنتم المولجون من خلال قيمكم الروحيّة والإنسانيّة التمييز بين الحقّ والباطل، نسألكم عدم تجاوز الوجدان الحقيقي للمسيحيين في خياراتكم، والعمل على تأمين شراكتهم الفعلية. نسألكم عدم السماح باستمرار سقوط المسيحيين في مستنقع التهميش بسبب نكايات بعض قياداتهم بعضهم بالبعض الآخر. نرجوكم تغليب منطق الحقّ على الباطل، وعدم دفع من تبقّى منّا إلى اليأس.

بسعيكم نحو وسطيّة زائفة، لستم تكسرون القيادات المسيحيّة، إنّما تحطّمون حلم من تبقّى من المسيحيين أنفسهم، وستّ سنوات جديدة، ليست بالفترة القصيرة للمراهنة.

سيادة البطريرك،

ما ناضلنا لكسره في زمن الوصايات، لم نعد قادرين على تقبّله في زمن الاستقلال تحت مسمّيات شتّى… ونحن نؤمن أنّها فرصتنا الأخيرة، فإمّا أن نكون أو لا نكون، ويبقى لكم تحديد موقفكم.

(]) ناشط في «التيار الوطني الحر»