من حسن المفارقات المتزامنة مع حمى الاستحقاق الرئاسي عقب الجولة الانتخابية الاولى التي نال فيها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ٤٨ صوتاً حلول الذكرى التاسعة لانسحاب القوات السورية وافول عهد وصاية النظام السوري على لبنان. سواء اعترف خصوم “القوات” و١٤ آذار ام لم يعترفوا فان هذا التزامن يثير بعداً رمزياً عميقاً لدى بيئة سياسية من شأنه ان يحفز قوى هذا الفريق على الاصرار على طبع المعركة الرئاسية بطابع مزدوج، وجهها الاول يتصل بحماية الرئاسة من الفراغ ووجهها الآخر يتصل بزج البعد السيادي الخالص في الاختيار الاخير للرئيس.
يمكن الاعتراف لقوى ١٤ آذار انها بتبنيها ترشيح احد اقوى رموزها مناهضة للوصاية السورية اسقطت على الاقل ازدواجية المعايير والممنوعات الموروثة من زمن الوصاية والتي يبدو للأسف ان بعض القوى الداخلية لا يزال يمعن في محاولة فرضها من خلال سلوكيات بائدة. لكن الأمر لم يعد هنا الآن بل في الادارة السياسية للجولات الانتخابية المقبلة التي تشكل واقعيا التحدي الاشد خطورة.
ذلك ان محظورين سيختبران وحدة قوى ١٤ آذار في ما تبقى من المهلة الدستورية. محظور تقديم ذرائع لكل ذي صاحب مصلحة محتملة في الفراغ الرئاسي، وهو امر قد تبدأ عملية اسقاط النصاب تباعا بكشف الضالعين فيه. ومحظور النفاد الى وحدتها من خلال ترشيح منافسين من قوى ٨ آذار او مستقلين وتشتيتها تالياً بالمفرق. وفي كلا الحالين ثمة رهانات كبيرة وواضحة على ضرب هذا الفريق او اسقاطه بالنقاط متى تعذر ذلك بالضربة الانتخابية القاضية.
لذا فان الجدية التصاعدية الماثلة في بروز العماد ميشال عون كمرشح حصري لقوى ٨ آذار وما يثار حول قناة تواصل وحيدة بينه وبين زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري تفترض تبعا لنتائج الجولة الانتخابية الاولى واحداً من احتمالين: اما تحويل الاستحقاق الى معركة مشروعة بين مرشحي الفريقين واما التفاوض الجماعي بين فريق ١٤ آذار والعماد عون لاستنفاد مرحلة حصر الترشح بفريقي ١٤ آذار و٨ آذار ما دام النصاب عرضة للتعطيل في الجولات المقبلة قبل الانتقال الى الجولة الثالثة وهي مرحلة المرشحين المستقلين. مفاد ذلك ان تحسن قوى ١٤ آذار توظيف نتائج التصويت لمرشحها، لا على اساس انتخابي فقط بل على اساس سياسي يطاول آفاق العهد الجديد بكل مفاصله اياً يكن طابع المعركة ما دامت ارتكزت مبدئيا في تبنيها لجعجع الى برنامجه الانتخابي الذي يشكل تجسيداً حرفياً لمبادئ انتفاضة ١٤ آذار ٢٠٠٥.
ولعله يقتضي التذكير في ذكرى الانسحاب السوري من لبنان بان الاستحقاق الرئاسي ليس انتقالاً للسلطة والحكم فحسب بل هو الاستحقاق الرئاسي الاول الفعلي في زمن انعدام الوصاية.