IMLebanon

سياسة أميركا أضعفت الاعتدال وقوّت التطرّف هل الخوف من الإرهاب يوحّد الجميع؟

يقول سفير لبناني سابق إن سياسة الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة وحتى في العالم أخذت تحيّر الأصدقاء قبل الأعداء، وهي سياسة لا تعتمد “البراغماتية” فقط حفاظاً على مصالحها، إنما سياسة اللسانين والوجهين وسياسة اللعب فوق الطاولة واللعب تحتها، ويحار من يراقبها في معرفة أين تريد البلوغ بها وأية أهداف تسعى إلى تحقيقها.

لقد قررت هذه السياسة غزو العراق لتقيم فيه نظاماً ديموقراطياً وحكماً مستقراً، وإذ عصفت به ولا تزال حروب داخلية سياسية ومذهبية تكاد تفككه وتقسمه خصوصا بعد هجمة تنظيم “داعش” المدهشة، ما جعل العراقيين يترحمون على حكم الرئيس صدام حسين. وفي سوريا هددت أميركا وتوعدت باسقاط نظام الرئيس بشار الاسد ووعدت بدعم المعارضة السورية فظل هذا الدعم كلاماً بكلام، في حين أن النظام يتلقى الدعم المالي والعسكري من روسيا وايران وحماية من قرارات مجلس الأمن باستخدام “الفيتو”.

وتركت أميركا الثورة السورية على النظام وحيدة في مواجهة آلة القتل والدمار للنظام معللة “الائتلاف الوطني” المعارض بالوعود البراقة والتصريحات الرنانة وارضائه بالاعتراف به بديلا من النظام من دون ان تستجيب المطالبة المتكررة برفع الحظر عن تزويدها سلاحاً نوعياً يوفر لها فرصة أفضل للصمود أو حتى بفتح ممرات انسانية تكسر الحصار المفروض على القرى والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة، أو منع القصف الجوي بالبراميل المتفجرة التي يسقط فيها مدنيون شباباً وشيوخاً ونساء وأطفالاً، الامر الذي وضع المعارضة في مواجهة خصمين: النظام السوري والتنظيمات الاصولية والارهابية متذرعة (أميركا) بعدم تزويد المعارضة أسلحة نوعية بالخوف من ان تسقط في ايدي هذه التنظيمات التي ما كانت لتقوى وتشتد وتمتد لو أن المعارضة تلقت الاسلحة في حينه. وهذه السياسة لادارة الرئيس أوباما عارضتها وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون التي كانت مؤيدة لتسليح المعارضة السورية، والتي انتقدت المفاوضات الاميركية مع “طالبان” لأنها أمر يصعب تقبله بالنسبة الى الكثير من الاميركيين بعد كل هذه السنوات من الحرب، وهي مفاوضات أثارت قلق العديد من أصدقاء أميركا وحلفائها، اذ تدل على انها لا تتوانى عن التفاوض مع أعدائها إذا قضت مصلحتها بذلك وإن على حساب أصدقائها وحلفائها. إذ ماذا يمنع تطبيقا لهذه السياسة أن تعود أميركا وتفاوض الرئيس الأسد إذا كان ذلك يخدم مصالحها، وقد يكون هذا ما يجعلها تتردد في تزويد المعارضة السورية أسلحة متطورة لئلا يختل ميزان القوى مع النظام وليس مع المجموعات الارهابية التي لا مجال لضربها ومكافحتها الا بحكومة سورية قوية تجمع بين مؤيدي الرئيس الاسد ومعارضيه لتصبح قادرة على تخليص سوريا والمنطقة من هذه المجموعات قبل أن تبسط سيطرتها في العراق وفي اليمن وفي ليبيا وفي دول عدة وتنطلق منها لتهدد الامن والاستقرار في دول الشرق والغرب.

لقد بلغ الخوف من المجموعات الارهابية حدا جعل اميركا ومعها دول اوروبية وروسيا تبحث في اقامة جبهة لمكافحة هذه المجموعات حيث هي وقبل أن تصل اليها.

لذلك بدأت في ليبيا حركة عسكرية لمكافحة الاصوليين بدعم اميركي غير معلن، وفي العراق تبذل مساع لتأليف حكومة قادرة على مكافحة تنظيمي “القاعدة” و”داعش” وما المفاوضات مع “طالبان” في افغانستان الا لتحقيق ذلك وعلى أساس “داوني بالتي كانت هي الداء”. وها ان ايران تعلن بلسان رئيسها حسن روحاني استعدادها لمكافحة الارهاب، وكذلك الرئيس الجديد لمصر المشير عبد الفتاح السيسي، فهل يصبح لـ”حزب الله” في لبنان دور في مكافحة الارهاب وقد بات العدو المشترك للجميع ويُزال اسمه من لائحة التنظيمات الارهابية بحيث لا يبقى مشكلة في لبنان بل حلاً وسبيلاً الى المصالحة الوطنية كما صارت “طالبان” حلاً في أفغانستان و”حماس” حلا لتحقيق المصالحة الفلسطينية؟

إن الخوف من الارهاب بعد تمدده في المنطقة قد يعجّل في إقامة جبهة تضم الاضداد من أصدقاء وأعداء لمحاربة هذا الارهاب قبل أن يضربهم واحداً واحداً، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتحقيق مصالحات شاملة بين دول المنطقة وداخل كل دولة لأن استمرار الانقسام فيها لأسباب سياسية أو حزبية أو شخصية يجعل يد الارهاب قوية وقادرة على ضربهم وإخضاعهم. وهو ما يحقق التقارب بين السعودية وإيران لمواجهة عدو مشترك هو الارهاب، ويقيم في سوريا حكماً قوياً تتمثل فيه كل القوى السياسية الاساسية فيها لضرب ارهاب يقترب من ضربها إذا ما تقدم في العراق. فالحكم القوي العادل في كل دولة والذي يجمع الموالاة والمعارضة هو الذي يمنع وجود بيئة حاضنة لأي شكل من اشكال الارهاب ويحاصره حيث هو، حتى وإن حوّل تنظيمات كانت توصف بالارهابية إلى مشاركة في مكافحتها وان صحّ فيها القول: “وداوني بالتي كانت هي الداء”، ام ان الارهاب لا يضرب الا بتقسيم المنطقة بدءا من العراق ومعه ترسم صورة الشرق الاوسط الجديد؟