2 أيلول 2014
في محاضرة للبطريرك الكاردينال صفير ألقاها في جامعة أوكسفورد في لندن (تشرين الأول 2003) استعاد فيها المحطات الأساسية في التاريخ الماروني الذي لا ينفصل عن تاريخ لبنان، أبدى خوفه من ازدياد هجرة المسيحيين واستقرارهم في البلدان التي هاجروا إليها، وتساءل: “هل ستبقى المنطقة التي ولد فيها السيد المسيح وعاش ومات صلباً من دون شهود للمسيحية ونحن نرى ما يجري على الاراضي الفلسطينية والعراق وفي سواهما من بلدان المنطقة؟ وعندما يغادر مسيحيو لبنان وطنهم هل يصبح الشرق بلا مسيحيين؟ وهل هذا لا يؤيد النظرية القائلة بصدام الاديان والحضارات؟ فتكوين لبنان يناقض هذه النظرية تماماً، ونحن نرى ان خير مثل على نقيض هذه النظرية هو لبنان الذي يعيش فيه الناس على اختلاف الانتماءات الدينية على قدم المساواة. ولهذا قال قداسة الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني فيه: “إنه أكثر من بلد، إنه رسالة حرية ومثل على التعددية للشرق والغرب”.
وفي محاضرة للمحامي كريم بقرادوني (تشرين الثاني 1992) قال فيها: “إن المسيحيين لم ينتهوا، إنهم ما زالوا موجودين على رغم محنتهم لأنهم تعوّدوا تاريخياً العيش في حالة أزمة ولبنان يعيش على حافة الهاوية منذ أمد طويل، والمسيحيون في لبنان يعيشون على فوهة بركان منذ سنوات وحتى اليوم. ولم يسقط لبنان في الهاوية ولم تقض الازمات على المسيحيين لأن لبنان كيان أصيل في المنطقة.
وفي تقرير لكاتب مصري نشر عام 2008 جاء فيه: “إن المسيحية حافظت على وجود مهم ومكانة معتبرة في منطقة الشرق الاوسط خلال الألفي عام الماضية، لكن هذا الوجود وتلك المكانة مرشحان للتغيير في الالفية الثالثة. فالوجود المسيحي في المنطقة يسير الى مزيد من التناقص الحاد وربما التلاشي في يوم من الايام إذا استمر الوضع الحالي على ما هو، وفي حال استمرار التناقص فليس ثمة شك في انه خلال عقد او عقدين من الزمن سيفقد المسيحيون الشرق الاوسطيون كل اهمية حيوية او تأثير سياسي”.
وفي محاضرة للدكتور فواز جرجي تحت عنوان “المسيحيون اللبنانيون والغرب” قال فيها: “في العام 1861 تدخل الفرنسيون وأجبروا السلطات العثمانية على الاعتراف بحقهم في حماية الاقلية المسيحية في جبل لبنان. وفي العام 1958 لم تتدخل الولايات المتحدة الاميركية من اجل حماية المسيحيين في لبنان او حماية نظام الرئيس كميل شمعون إنما لحماية المصالح الاميركية في الشرق الاوسط والتصدي للتيار الشيوعي السوفياتي والمحافظة على مصالحها في الخليج وخصوصا البترول… وان اميركا لم تستجب لطلب الرئيس شمعون واعتبرت ما يجري صراعاً داخلياً على السلطة وأن تدخلها سوف يضر بمصالحها ويستثير القوى المعادية للغرب في لبنان والعالم العربي، فيما كان الرئيس شمعون يعتبر ان النزاع هو بين لبنان المتحالف مع الغرب والقومية العربية المتحالفة مع الشيوعية الدولية، ولم تكن اميركا مستعدة لتحمل خطر مواجهة مسلحة في الشرق الاوسط لأنها لم تعتبر لبنان ذا اهمية استراتيجية او اقتصادية بحد ذاته، وابلغت الرئيس شمعون ان عليه الاعتماد على نفسه في حل الأزمة”.
وخلال اجتماع لمجلس الامن القومي حذر جورج آلن مدير وكالة المساعدات الدولية من التدخل العسكري في لبنان لأنه سينظر اليه على انه تدخل لمصلحة المسيحيين، فعلى اللبنانيين الذين اعتمدوا تاريخياً على الحماية الخارجية ان يعتمدوا على أنفسهم وأن يقدم الرئيس شمعون تنازلات ترضي المعارضة لأن التدخل العسكري في لبنان يسبب كارثة لمصالح اميركا في المنطقة. وكان وزير الخارجية جون فوستر دالس فظاً حين طلب من نظيره اللبناني شارل مالك ان يخبر شمعون بأن عليه الا يتوهم بأن طلبه التدخل الاميركي سيمكنه من الفوز في مواجهة عبد الناصر… وكان اميركيون آنذاك يتفاوضون سراً مع عبد الناصر لايجاد مخرج للأزمة اللبنانية… ولم يقبضوا أقوال الوزير مالك “إن لبنان يدافع عن الحضارة الغربية في الشرق الأوسط، فإذا سقط لبنان سقط الغرب”. إلا أن سقوط “حلف بغداد” بعد إطاحة النظام الملكي في العراق اضطر أميركا الى التدخل عسكرياً لحماية الانظمة الموالية لها في المنطقة والا فقدت صدقية التزاماتها تجاه حلفائها. وانتهت حرب 1975 بصفقة اميركية أخضعت لبنان لوصاية سورية دامت 30 عاماً…
لذلك على بطاركة الشرق ومجموعة من المسيحيين اللبنانيين والعرب الذين سيعقدون مؤتمراً في واشنطن (9 و11 ايلول) للبحث في وجود المسيحيين ومستقبلهم في الشرق وما يتعرضون له، وما سيتخلل المؤتمر من لقاءات مع مسؤولين ونواب أميركيين أن يقرأوا جيداً تاريخ سياسة اميركا البراغماتية وشعارها: “لا أعداء دائمين بل مصالح دائمة”…