IMLebanon

شغور الرئاسي، شغور مسيحي

غداً جلسة جديدة لمجلس النواب بدعوة من رئيسه الذي يفصّل النصاب بقراءة خاصة للدستور، ولا يجد من يعترض في الفريق الآخر. حتى الآن ثمة مرشحان حقيقيان: مرشح معلن هو الدكتور سمير جعجع، ومرشح “شبح” هو الجنرال ميشال عون. أما المرشح الثالث هنري حلو فيفتقد الى الآن من يؤمن به حقيقة حتى من الفريق الذي رشحه. وثمة تقاطع بين التهدئة الواضحة المعالم والتنافس على موقع الرئاسة. ولكن التنافس البادي حتى الآن يتضح لدى فريقين يمتلكان زمام الأمور: “حزب الله” صاحب الكلمة الفصل في معسكر 8 آذار، و”تيار المستقبل” عمود 14 آذار الفقري. أما الأطراف المسيحية في المعسكرين فلا تزال تفتقد الكثير من عناصر القوة الوازنة في هذا الاستحقاق بسبب انقسامها الفاضح حول موضوع الرئاسة. فبعدما جمع البطريرك الراعي ما اصطلح على تسميتهم “القادة الأربعة” للموارنة، واتفقوا على العمل معاً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، تفرّقوا وتلاشت الوعود بفعل العداء المعلن والمضمر المستحكم بينهم جميعاً بلا استثناء، فكلهم يعرقل في شكل أو آخر، وفي النهاية كلهم يعرقلون الاستحقاق برمته. يسجل بالطبع لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أنه قام بخطوة معلنة توجه خلالها شطر جمهوره، وجمهور 14 آذار، معلناً أفكاره “الرئاسية” على الملأ بلا مواربة. ولكن في النهاية يتحمل الزعماء الموارنة الأربعة مسؤولية جماعية عن فشل انتخاب الرئيس حتى الآن، ولتباشير الفراغ على مستوى منصب الرئاسة الماروني الذي يتحوّل شيئاً فشيئاً الى منصب سني – شيعي بالمعنى العميق للسلطة. على المسيحيين ولا سيما الموارنة، زعماء وقادة وروحيين، أن يدركوا أمراً مهماً: لن يحافظ المسلمون على موقع الرئاسة بما يمثله من خصوصية لبنانية فريدة في هذا الشرق العربي أكثر مما ستحافظون عليه أنتم. بمعنى أوضح نقول، لن يحافظ الآخرون على الرئاسة التي تتلاشى قيمتها الوطنية والتاريخية يوماً بعد يوم بفعل انقساماتكم بدلاً منكم. أنتم مسؤولون اليوم عن تحوّل رئاسة الجمهورية الى منصب يمكن الاستغناء عن ملئه. أنتم مسؤولون عن بلوغ الأوضاع مرحلة يمكن التعايش فيها مع فراغ على مستوى الرئاسة.

إنها الحقيقة المُرة: إن المسيحيين وخصوصاً الموارنة يفرّطون بالرئاسة في أدق مرحلة تاريخية تمر بها المنطقة التي يعاد رسم خريطتها البشرية من العراق الى فلسطين مروراً بسوريا ولبنان. من هنا مسؤولية الجميع أن يدركوا أن ثمة تحولات تطرأ يوماً بعد يوم من شأنها أن تغيّر الكثير مما هو قائم.
كل المؤشرات تقول إن لبنان سيدخل في مرحلة فراغ على مستوى الرئاسة، وأن التهدئة الموقتة القائمة على معادلة إدارة الظهر للملفات الخلافية في البلد ستجعل من مرحلة “الشغور الرئاسي” كما يحلو للرئيس نبيه بري أن يسميه، مرحلة ميسّرة على الأرض. هذا معناه أن البلاد تتعايش مع انكسار ضلع من أضلع الحياة السياسية والوطنية فيها.
ذات يوم شبّه وليد جنبلاط الدروز بـ”الهنود الحمر”. نأمل أن يستفيق الموارنة قبل أن يصيروا “أشوريين جدداً”!