IMLebanon

شغور لأشهر وإلّا…

مع اقتراب موعد انتهاء المهلة الدستورية في 25 الجاري، تتضاءل أكثر فأكثر احتمالات انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهي التي كانت تحظى أساساً بنسبة متواضعة من التفاؤل. ذلك أنّ استحقاقاً بهذا الحجم يحتاج الى ظروف داخلية وخارجية عدة لا تبدو مكتملة، أقلّه حتى الآن. اضف الى ذلك أنّ التركيبة الداخلية المعقدة والنظام السياسي الذي يحكم لبنان يجعلان إنجازَ هذا الاستحقاق بمسالك دستورية عادية أو روتينية مسألة صعبة.

من أجل ذلك، ضغَطت العواصم الغربية، ولا سيما منها واشنطن، في المراحل السابقة لتأليف حكومة تحظى بتمثيل مختلف الشرائح السياسية وتكون قادرة على تولي مسؤولية قيادة البلد في حال حصول شغور في موقع الرئاسة الاولى، بلا استبعاد ايّ فريق سياسي ما يُضطّره للاحتكام الى الشارع.

وللمفارقة، يتلخص احد ابرز العوامل المسهلة لإنجاز هذا الاستحقاق في تقدم الحوار الحاصل في الكواليس بين السعودية وايران. ذلك أنّ الموقع المسيحي الوحيد في الشرق الاوسط والبلاد العربية سيكون رهينة تفاهم ما بين السعودية المرجعية السياسية السنّية، وايران عاصمة الشيعة في المنطقة.

وعلى رغم دقة الوضع وحساسية الملف وسط النزاع الكبير الحاصل في الشرق الاوسط، تبدو العواصم الغربية مقتنعة بأنّ الشغور الذي كان متوقعاً منذ البداية لن يطول كثيراً، وأنّ حدّه الاقصى سيكون بداية الخريف المقبل.

وتُعدّد الاوساط الديبلوماسية الاسباب التي تدفعها الى توقع ذلك، وهي:

ـ أولاً، ستكون نتائج الانتخابات العراقية والسورية قد أرست مفاعيلها على تكوين السلطة في البلدين، والجميع يدرك أنّ طرفَي النزاع في هذين البلدين هما ايران والسعودية.

ثانياً، ستكون المفاوضات الاميركية – الايرانية قد أنجزت اتفاقها والذي يحظى بموافقة الحزبين الاميركيين. اتفاق يحظى بدفع هائل متوقع إقراره في تموز المقبل وسيشكل جزءاً من النظام العام في المنطقة بعد التفاهم على حدود مصالح كلا البلدين فيها.

وصحيح انّ ما رشح حتى الآن من معلومات يشير الى أنه لم يجرِ التطرق الى الملف اللبناني، الّا أنّ المناخ العام الذي سينتج عن هذا الاتفاق سيلفح لبنان مباشرة. وتكشف المعلومات القليلة المسرّبة أنّ الفريق الاميركي المفاوض سأل نظيره الايراني عن سلاح «حزب الله» في لبنان بهدف جس النبض، فإكتفى بالقول: «لننتقل الى النقطة التالية»، وأُقفل الموضوع هنا.

ثالثاً، والأكثر تأثيراً في الساحة اللبنانية يتعلق بالمفاوضات السعودية – الايرانية. صحيح أنّ هذه المفاوضات انطلقت بحذر متأثرة ايجاباً بالمفاوضات الاميركية – الايرانية، إلّا أنّ تأثّر الساحة اللبنانية بها سيكون مباشراً.

حتى الآن ما يزال التواصل السعودي – الايراني في مراحله الاولى حيث تتولى سلطنة عمان مهمة تأمين التواصل بين البلدين بعد دور محدود في هذا المجال لعبته الامارات. وقد عقد لقاء بين مسؤولين أمنيّين سعوديين وايرانيين على اراضي سلطنة عمان شكل بداية جيدة، في انتظار لقاءات أخرى يجري التحضير لها.

وصحيح أنّ الملفات الشائكة بين البلدين كثيرة وصعبة وتطاول المجال الامني الحيوي للسعودية، إلّا أنّ الملف اللبناني قادر على أن يكون بداية جيدة بينهما. وجاءت عودة السفير السعودي علي عواض عسيري الى بيروت لتشكل إشارة إيجابية في هذا المجال.

رابعاً، تكون الاطراف اللبنانية قد تعبت من التسمّر في مكانها تحت ضغط الشارع والمراجع الدينية لتصبح اكثر ليونة لقبول تسوية معقولة.

خامساً، وهو السبب الاهم، عدم موافقة المراجع الدولية على القبول بتمديد جديد للمجلس النيابي بلا انتخاب رئيس جديد. ذلك أّنّ التمديد النيابي بلا وجود رئيس جمهورية سيَعني الدخول في مرحلة العمل على تغيير النظام السياسي في البلد. وهذا ممنوع لسببين: الأول، أنه لا يمكن الدخول في مؤتمر تأسيسي في ظل واقع مبعثر كهذا، والثاني أنّ تغيير النظام اللبناني يدخل في إطار صفقة اقليمية واسعة لم تكتمل شروطها بعد.

سادساً، ليس في مصلحة الشيعة استمرار السلطة في لبنان في يد رئيس حكومة من الطائفة السنّية وينتمي الى فريق «14 آذار»، وليس في مصلحة السنّة ترك الوضع يذهب الى الفوضى ما يعيد «حزب الله» الى الشارع.

من أجل كل ما تقدم، تبدو محطة ايلول حداً اقصى لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وإلّا فإنّ هناك من سيسعى لجعل الاوضاع اصعب واكثر ضغطاً من خلال اللعب بالاستقرار النقدي واستعادة موجة الاغتيالات لأخذ الجميع بالقوّة الى تسوية على الساخن.