سفر الحريري «موقّت».. والعودة أيضاً
«شيخ» الاعتدال والتسويات الممكنة!
مريدو سعد الحريري حائرون، تائهون، يتساءلون.. رجع «الشيخ» أم لم يرجع؟ لم تكن سَكرَة الاحتفال بالعودة المفاجئة قد انتهت حتى عاجلهم ببيان المغادرة.
لا هم علموا مسبقا بتوقيت الظهور الصاعق في السرايا صبيحة 8 آب، ولا هم يدّعون اليوم امتلاكهم توقيت الزيارة الثانية. بعضهم يشكّك حتّى في ادعاء الرئيس فؤاد السنيورة، دون غيره من «المستقبليين»، وزراء ونوابا وقيادات وكوادر، بعلمه بوصول الحريري في اللحظة التي حطّت فيها طائرته الخاصة في مطار بيروت!
المهم ان ثمّة في «تيار المستقبل» من ليس راضيا على قضاء الحريري اسبوعا واحدا في بيروت بعد غياب طال نحو ثلاث سنوات ونصف سنة. برأيهم، «ان مدّة الاقامة كان يجب أن تطول أكثر من باب تكريس لغة الاعتدال وصيانة إنجازات الأيام السبعة، والأهم طمأنة جمهوره بأن العودة هي فعلا نهائية».
في اجتماع لمّ الشمل في بيت الوسط قال الحريري لفريقه السياسي ولقيادات قوى «14 آذار» بصريح العبارة «قد أفاجئكم بمغادرتي لاحقا، هذا لا يعني أن مهمّتي قد انتهت. بحكم عملي وانشغالاتي ومتابعتي للهبة السعودية قد اضطر للغياب عنكم، تماما كما كان يحصل حين كنت في بيروت، لكن الامر لا يشبه أبدا قرار المغادرة عام 2011».
وحين سئل عن إمكان زيارته لميشال عون في الرابية قال ممازحا «لا شيء يمنع حصول هذه الزيارة، وربما سآخذ معي أيضا أبو العبد كبارة وخالد الضاهر ومعين المرعبي!».
الخلاصة المؤكّدة التي خرج بها المحتفون بعودة زعيم «التيار» هي أن الوقت ليس مناسبا لا لنسج التسويات الممكنة مع «الجنرال» واستكمال الحوار الذي توقّف فجأة مع الرابية، ولا حتى لصوغ تواصل الحدّ الأدنى، بشقه السياسي، مع «حزب الله».
قد يطلّ «الشيخ» مجددا في بيت الوسط اليوم، وقد لا يفعلها إلا بعد اسبوع، أو أشهر… المهمّ ان الحريري سيكون من الآن وصاعدا شريكا مباشرا، وليس عن بعد، بأي تسوية لاحقا قد تفكك العقد المستولدة من الفراغ المتفشّي في عروق المؤسسات.
لكن الحديث عن أي تسويات يبدو اليوم بمثابة أحاديث صالونات وتضييع وقت، برأي المقرّبين من الحريري، استنادا الى مرصد المنطقة. لا انتخابات رئاسية ولا نيابية، في مقابل التمديد الحتمي لمجلس النواب.
يعترف «المستقبليون» بأنهم أخذوا التمديد هذه المرّة بصدورهم نيابة عن الجميع، في صورة مغايرة لظروف التمديد الاول. يومها أدى امتناع العضوين الشيعيين في المجلس الدستوري محمد مرتضى وأحمد تقي الدين والدرزي سهيل عبد الصمد عن حضور الجلسات الناظرة بالطعن في قانون التمديد الى تعطيل النصاب، أما مواظبة العضوين السنّيين طارق زيادة وتوفيق سوبره على الحضور، فشكّل انقلابا على حياكة «المستقبل» لمشروع التمديد بالتكافل والتضامن مع نبيه بري ووليد جنبلاط.
اليوم، اختلفت الحسابات. جماعة «المستقبل» هم رأس حربة التمديد الزاحف الى مجلس النواب، ولأجله أعدّت الأسباب الموجبة وكل مطوّلات الاقناع. وربما لن يكون مستبعدا في حال صدور القانون والطعن به، أن نشهد مقاطعة الأعضاء السنّة هذه المرّة لجلسات المجلس الدستوري!
على خط آخر، لم يستسغ الفريق الازرق سماع «الشيخ» وهو يبرّئ «حزب الله»، من الرياض، من مشاركته بالقتال في عرسال.
داخل هذا الفريق من يشير الى أدلة تثبت هذا التورّط، «بعد استحصالهم على فتوى تجيز حلق ذقونهم وارتداء بزّات الجيش»! أما موقف الحريري فأمر آخر. هو يُظهِر، برأيهم، قدرا كبيرا من المسؤولية «ما دام زعيم تيار المستقبل يريد استيعاب المشهد حماية للبلد ومنعا للفتنة».
وبعكس المعطيات السياسية والعسكرية التي أبرزت الدور المفصلي الذي لعبه الجيش في فرض انسحاب المسلحين ومنع المشروع الارهابي من التمدّد الى الداخل، ثمّة في «المستقبل»، تحديدا من الذين يحرص الرئيس الحريري على سماع آرائهم في المسائل الامنية الحسّاسة، من يجزم بان القرار بعدم حصول المعركة صدر عن «جبهة النصرة» التي لم تكن تريد أن تحصل المواجهة الكبرى، وبأن رأيها كان غالبا لأن من شارك من عناصرها كان يمثّل الثلثين بينما «داعش» تمثل الثلث الباقي، «وهذا الأمر كان كافيا لمنع انجرارنا الى نموذج العراق».
يقول أحد المعنيين في «المستقبل» ممن واكب عن كثب مجريات معركة عرسال «لقد أخرجنا لهيب النار من غرفة النوم، لكن الخطر لا يزال قائما على الحدود، مع عدم وجود ضمانات لتكرار ما حصل. هناك تكفيريون يحيطون بنا، لكن حزب الله هو التكفيري الأول».
على طاولة المقرّبين من الحريري معطيات اليوم تؤكد وجود قرار لدى الجماعات المسلّحة باستعادة القصير، التي كان «حزب الله» أعلن السيطرة عليها في حزيران من العام الفائت، وفي حال حصول هذا الأمر فتصبح هذه الجماعات على تماس مباشر مع قرى شيعية ومسيحية وسنّية، وهنا يكمن خطر الفتنة الكبير.
هؤلاء يتحدّثون عن واقع قائم وهو سيطرة الحزب فعلا على بعض مدن وبلدات القلمون، ما دفع الجماعات المسلّحة الى اعتماد خطة «الكمائن الذكية» التي تؤدي، برأيهم، الى ايقاع عدد كبير من القتلى في صفوف «حزب الله». هو التكتيك نفسه الذي كان يعتمده الحزب في قتاله ضد اسرائيل!
وأمام واقع تعرّض عرسال مرّة أخرى لامتحان تحوّلها الى شرارة تدخل لبنان في المحظور، يصرّ فريق «المستقبل» على الانسحاب الفوري للحزب من سوريا ونشر «اليونيفيل» في البقاع الشرقي والشمالي، فالقرار 1701 الذي كان مجرد الحديث عنه قبل 2006 يعتبر فعل خيانة، صار مشروعا بعد حرب تموز والجميع انتظم تحته، ما حوّل الجنوب الى البقعة الاكثر هدوءا في لبنان. التفاؤل المستقبلي يصل الى حد جزم إحدى شخصيات التيار الازرق «بأنه سيأتي يوم يطالب فيه الحزب بنفسه بتطبيق القرار الدولي بقاعا».
عمليا، لا تفاعل يذكر من جهة اهل بيت الوسط مع الخطاب الاخير للسيّد حسن نصر الله الذي شرّح خلاله مدى خطورة الخطر التكفيري الآتي. هم يسلّمون بهذا الخطر، لكنهم يخالفون رأي الحزب بأسلوب المواجهة ما دام لا يزال غارقا في الوحول السورية، ما سيعزّز خيار الموجة السنية المعاكسة ردّا على المدّ الايراني و«إرهابه» في المنطقة.