IMLebanon

“صار المشهد مملًّا “

يصح اليوم ما قاله الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني المرحوم جورج حاوي، في 18 ايار 1987، في تأبين رفيقه مهدي عامل، الذي أحلّ دمه مع مناضلين آخرين، تكفيريو مطلع الثمانينات، من القرن السابق: صار المشهد مملًّا.

لكن الممل اليوم، ليس الاغتيال الفردي، بل السعي الدؤوب الى اغتيال الدولة، واستغباء اللبنانيين: أولا بالقول ان المقاومة (أي سلاح الحزب المتسلط) تحمي الدولة، وثانيا، بنسْب المثالثة الى أبوة فرنسا، بما يذكّر برسالة كيسنجر المزعومة الى المرحوم العميد ريمون اده، وغيره، من السقطات السياسية للأمين العام.

المملّ ايضا، ان تضرب الحياة الديموقراطية، ويحول أهل الممانعة دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويلقون مسؤولية تعديل الانتخاب على “14 آذار” لأنها تدعم ترشيح سمير جعجع. لكأنما الانصياع للدستور مخالفة ومخالفته صواب.

من المملّ، أساسا، ان يتبرع الامين العام بتظهير اذعانه لتوجيهات الولي الفقيه الايراني، بلا نقاش قانوني او عقلاني، بحسب قوله، ثم يعلم اللبنانيين بعدم انتظاره أي تفاهم بين طهران والرياض او واشنطن، على رئاسة الجمهورية، وهو الذي لانت مواقفه من تشكيل حكومة تمام سلام، حين لانت ايران في مفاوضات ملفها النووي، فحلّت تركيبة 8×3 محل 6.9.9

وهو أضاف مللاً الى ملل، في خطابه الاخير، حين أراد ان يقنعهم، بأن ايران “لا تفرض شيئا على حلفائها، ولا على أصدقائها”، كأنما اللبنانيون لا يتذكرون أنه أسقط الوعد بصيف هادئ في حرب تموز 2006، بعد رفض طهران شروط أوروبا لرفع العقوبات الاقتصادية التي حملها خافيير سولانا، قبل أيام، مقابل خفض تخصيب الاورانيوم.

من المملّ ايضا، محاولات الامين العام الدائمة اقناع اللبنانيين بأن خطبه تنضح بالعلمانية وتسمو على الانقسامات فيحاضر في أهمية “هدوء الخطاب السياسي” ويبرع في اظهار مثالب “التحريض الذي له طابع طائفي ومذهبي”، ولا يبزه سوى قوله بأن سوريي لبنان قصدوا سفارة علي عبد الكريم العلي بملء ارادتهم، من دون تهديدات أمنية من ميليشيات الثنائية المعروفة، ومن عسس النظام.

المملّ أكثر، ادعاؤه أن حزبه قوة اقليمية، ولا سيما منذ دخل الحرب السورية، فكيف وزلة لسان جون كيري داعبت أحلام العظمة التي ظلت دوما حاضرة؟

هذا الملل لا بد واجد استراحته بعد غد. فلقد أعلن اللبنانيون عودة حربهم غير الدموية، مبدئيا: كأس العالم في كرة القدم، التي يستبدلون فيها انقساماتهم السياسية والطائفية والمذهبية بأعلام الدول المجلية، وتجعلهم يسترجعون هويات لا وطنية.

هم على هذه الحال منذ كأس العالم 1970، تحديدا، ومذذاك يزداد ناشدو علم الوطن، ويقل المملون من معاندة المصير الواحد. يوما ما سينقرضون.