«أبا هند فلا تعجل علينا فانظرنا لنخبرك اليقينا ملأنا البر حتى ضاق منا وسطح البحر نملؤه سفينا» عروة بن كلثوم
إيران ليست الدولة الأولى في التاريخ التي سيطرت عليها أحاسيس أوهام العظمة، فحتى اللبنانيين أنفسهم يعبّرون عن الإحساس نفسه عندما نسمعهم يتغنون باجتياحهم واحتلالهم العالم «بفطنتهم وذكائهم»، وليس غريباً إذاً أن نسمع فيروز تقول عن لبنان «يا زغير ووسع الدني يا وطني»، أو وديع الصافي يقول «لبنان هالكمّ أرزة العاجقين الكون».
ما لنا ولكلام الشعراء والفنانين، فما الجمال عندهم إلا بوسع المخيلة التي تلونها المبالغات الجميلة!.
ولكن الإحساس بالعظمة عند شعب ما عندما يصادف عقيدة أسطورية، وزعامة ملهمة معصومة وشعبوية، يصبح السير نحو الكارثة أمراً محتوماً.
الأمثلة في التاريخ لا حصر لها، وهي تشمل سلّة واسعة لقادة هم أبطال قوميون بالنسبة للبعض، وقتلة وطغاة وسفاحون للبعض الآخر، وهم فاتحون بالنسبة للبعض ومعتدون بالنسبة للبعض الآخر..
اللائحة تطول وقد تشمل «نبوخذ نصّر» و«الإسكندر» و«القياصرة» و«طارق» و«عمرو» و«هولاكو» و«بيبرس» و«محمد الفاتح» و«سليمان القانوني» و«طهماسب الصفوي» وصولاً إلى «نابوليون» و«هتلر» و«ستالين» و«ماك أرثر»… كلهم كانت لهم أحلامهم وأساطيرهم وكلهم لم يقتنعوا بحدود دولهم أو ممالكهم وأرادوا مد سلطتهم حتى «لا تغرب عنها الشمس».
لم يكن تصريح الجنرال صفوي، قائد الحرس الثوري الإيراني السابق، والمستشار العسكري للولي الفقيه، وكيل صاحب الزمان، الأول من نوعه بخصوص حدود الامبراطورية الإيرانية، فقد سبقه العشرات من مساعدي المرشد الأعلى في تصريحات مماثلة. في كل مرة كان يخرج مسؤول إيراني آخر ليغطي تصاريح زملائه بعبارات تضليلية وشعارات خشبية، وفي كل مرة أيضاً كان ينبري السفير «أبادي» لتفسير ما لا حاجة لتفسيره، مؤكداً أن «العدو الإسرائيلي يسعى إلى تشويه سمعة المسؤولين الإيرانيين من خلال تحريف تصريحاتهم!».
بالمحصلة لا يمكن فهم تصريح صفوي إلا على أساس رؤيا مذهبية هي بالأساس ما وصف سابقاً بالهلال الشيعي، وهو عملياً ما وصف أيضاً بأنه مشروع «أميركي صهيوني» لتقسيم العالم العربي وتأجيج الصراع المذهبي، وبالتالي إراحة العدو الصهيوني بنشر الخلافات بين أعدائه. وهذا يعني أيضاً بأن الجنرال صفوي بتصريحه الإمبراطوري المذهبي يساهم، عالماً أو غافلاً، في تحقيق مخطط الشيطان الأكبر.
لا يمكن فهم كيف يمكن لبلد يؤكد رئيسه حسن روحاني في خطاب للأمة بأن النمو فيه سبعة في المئة سلبي على مدى بضع سنوات وبأن الفقر الشديد يطال أكثر من ستين في المئة من سكانه، وهو أيضاً غير قادر على إدارة بحر النفط الذي يعوم فوقه فيجبر على استيراد الوقود لتموين السيارات لأنه لا يملك وسائل تكرير ثروته، أن يحتل مساحات واسعة من الأراضي والبلدان ويديرها بأدواته، وهو مفلس عملياً وواقع تحت رحمة القوى الكبرى التي يسعى لنيل رضاها من خلال تنازلات وصلت إلى حد الإهانة رغم المكابرة المستمرة للمرشد الأعلى بتصاريح وخطابات..
وقد يخال لصفوي بأن قوة إيران العسكرية وسعيها النووي وعقيدتها الأسطورية هي التي جعلت منها عظيمة ومكنتها من توسيع سلطة وليها الفقيه، ولكنه نسي أن الاتحاد السوفياتي كان يحمل عقيدة شديدة الصلابة، وكان لديه أتباع من مختلف الجنسيات والألوان، ويملك ترسانة عسكرية ونووية لا مثيل لها، وسقطت امبراطوريته على الرغم من ذلك تحت وطأة الاقتصاد ولنفاد مخزونه من السلطة الناعمة وإفلاسه الأخلاقي.
ولا أظن أن إيران الولي الفقيه تملك الكثير من السلطة الناعمة، فلا جامعتها محجة لطالبي العلم، كما أن ما تبقى من الاحتياطي الأخلاقي تم تبديده بسرعة في دماء عشرات الآلاف من السوريين الذين سقطوا ضحايا لدعم الولي الفقيه اللا أخلاقي لبشار الأسد.
ولكن ورغم تلك التساؤلات كلها، يأتي تصريح الجنرال صفوي ليؤكد ما كنا نقوله على مدى سنوات بأن العراق وسوريا ولبنان هي دول تحت الاحتلال، ولا يهم إن كانت أدوات المحتل من المواطنين المحليين فكل المستعمرين كان لهم متعاونون وعملاء في الدول التي استعمروها، و«حزب الله» هو بالتأكيد على رأس القائمة، فماذا سيفعل مناضلوه لو قرر اللبنانيون المقاومة؟.