الغريب في نصب الصواريخ في الجنوب واطلاقها على اسرائيل، هو تنصل حزب الله من تبعاتها من لحظة توجيهها، ليس لان لا علاقة للحزب بها، بل لان الحزب يخشى ان تقترن باسمه في هذا الزمن الصعب، حيث المعارك في سوريا على اشدها، وحيث يقال ان الحزب فقد العشرات من قيادييه وعناصره في مواجهاتها هناك، اضافة الى خشية الحزب من القول انه يخرق القرار 1701، فيما تنشط المساعي السورية والروسية في آن لنفي الاعداد لعمليات ضد اسرائيل من الجولان، لاسيما ان المحادثات النووية قائمة – قاعدة بين ايران والدول 5+1، حيث هناك خشية من اعادة تطور النظرة الاميركية والاوروبية الى الحرب السورية، كي لا يقال مثلا ان الحرب الاسرائيلية على غزة هي مقدمة لعمل عسكري اسرائيلي واسع النطاق قد يطاول بشكل او بآخر الملف النووي العالق بين اميركا من جهة وبين ايران من جهة ثانية؟!
لقد سبق القول عند تعليق الضربات العسكرية الاميركية على سوريا ان اسرائيل استفادت من نزع السلاح السوري الجرثومي ولم يعد امام ايران سوى تأكيد عدم سعيها الى سلاح نووي، كي لا تعود طهران الى فتح ملفات مفاعلها النووي، بحسب ما تطالب واشنطن به، اضافة الى ان الايرانيين اعادوا تأكيد نظرتهم المختلفة الى السلاح النووي كما تعهدوا بحسب مصادر مطلعة انهم في غير وارد دعم حزب الله ليعود الى التحرش مجددا باسرائيل، وهذا ما دأبت اسرائيل على الخوض فيه بالنسبة الى حربها الجديدة على قطاع غزة، بعكس ما سبق قوله لزعماء فلسطينيين من ان التحرش الفلسطيني ممنوع طالما بقيت شهية اسرائيل مفتوحة على الحرب؟!
ومن الان الى حين وقف الحرب الاسرائيلية الضارية ضد قطاع غزة، يبقى من الضروري القول ان الفلسطينيين مطالبون هذه المرة بوقف الاحتكاك باسرائيل من خلال قصفها ما توفر لهم من صواريخ من غير ان يدركوا ان حسابات اسرائيل في ايام الحرب قد تصل بها الى ابعد من غزة، حتى ولو اضطر بنيامين نتانياهو الى كسر الهدوء المسيطر على الجبهة الشمالية مع لبنان لغايات معروفة من بينها اعادة تحريك جبهة الجولان باتجاه دمشق؟!
ويخطئ من يعتقد ان نظام بشار الاسد اصبح مرتاحا الى وضعه الداخلي طالما بقيت شهية اسرائيل مفتوحة على الحرب ان على الجبهة الشمالية مع لبنان او على الجبهة السورية في الجولان وفي الحالين لا بد من انتظار بعض الوقت لمعرفة ما اذا كانت اسرائيل بصدد عملية واسعة على الجبهة اللبنانية من غير حاجة الى التوقف عند القرار1701، بدليل عودة الحرارة الى الجبهة الاسرائيلية الشمالية جراء استخدام بعضهم القصف الصاروخي على اسرائيل، وكأن الامور مرتبطة ببعضها، اي ان الذي يوجه الصواريخ يخدم مصلحة اسرائيل، اسوة بما كان يحصل في زمن اشعال الجبهة اللبنانية الجنوبية؟!
الى اي مدى يمكن لاسرائيل ان تستفيد من اطلاق الصواريخ عليها من لبنان؟
وزير لبناني يؤكد ان التحقيق مع الذين اوقفوا بتهمة اطلاق الصواريخ على اسرائيل يحتاج الى بعض الوقت، لان التعمق في التحقيق مع هؤلاء سيؤدي تلقائيا الى معرفة من يقف وراءهم، من داخل لبنان وخارجه، خصوصا ان مصدر الصواريخ ليس من اية جهة لبنانية، والمقصود هنا ان حزب الله براء من العمليتين الاولى والثانية لكن ليس من يستبعد ان يكون المسؤول عن ذلك طرف فلسطيني سبق له التعاطي مع الجانب السوري، من غير حاجة الى القول ان قرارا سوريا او ايرانيا وراء ما حصل، باستثناء ما يمكن ان يكون مصدره فلسطينيا ومن داخل لبنان؟!
المتعارف عليه لبنانيا ان حزب الله يتشدد في مراقبة مناطق الحدود اللبنانية، كونه يرفض ان يتهم بانه يقف وراء مثل هكذا عمليات هادفة الى توتير الجبهة اللبنانية، لاسيما ان من غير مصلحة الحزب التورط في عمليات قصف مباشرة او غير مباشر.
ويقال الكثير لتبرئة ذمة حزب الله ومعها ذمة الايرانيين الذين ينظرون بعين الحذر الى طريقة التفاوض القائمة بينهم وبين الدول الخمس الكبرى ومعها المانيا ازاء الملف النووي، في وقت تتحدث مصادر ديبلوماسية عن استعدادات ايرانية لتغيير نظام الحكم فيها قياسا على ما هو قائم الان، حيث الاختناق السياسي مسيطر على كل شيء في ايران، وليس بوسع اي طرف هناك الادعاء انه مرتاح الى وضعه لاسيما ان الهدر المالي على احزاب صديقة وحليفة يكاد يشبه المشاركة في الاكل من صحن واحد؟!