جاءت الاحداث في غزة بعيدة تماما عن الاهتمامات العربية عموما واللبنانية خصوصا، حيث اقتصرت ردود الفعل على بيانات وكلام في العموميات، الى ان جاء اطلاق الصواريخ من الجنوب على اسرائيل ليذكرنا بما كان يحصل من غير حاجة الى عمليات حربية ضد المناطق الفلسطينية، باستثناء القول ان السلطة اللبنانية قد فوجئت بذلك، كما فوجئت القوة الدولية بذلك، مع العلم ان عدم التحرك من لبنان هو ما كان يستوجب التساؤل والاستغراب قياسا على ما تعودنا عليه لسنوات طويلة، ليس لان لبنان لم يعد يرغب بعمليات من مثل هذا النوع، بل لان ظروفنا الداخلية لم تعد تسمح بتصرفات من النوع البذخ الامني الذي يستدعي ردا مماثلا من جانب العدو الاسرائيلي؟!
اما الذين دأبوا على اطلاق الصواريخ على اسرائيل، فهؤلاء لم يعودوا مرتاحين الى اوضاعهم قياسا على ما مر على لبنان من تطورات سلبية في معظمها، من غير ان ننسى ما ادت اليه حرب تموز 2006 وما الحقته من اذى لا يزال ماثلا في عدد كبير من مناطق الجنوب وغيره، فضلا عن معاناتنا مع بعضنا البعض جراء التباينات السياسية التي بوسع الجميع القول عنها ان اسرائيل قد نسيتها فيما لا يزال اللبنانيون يعانون من اثارها السلبية!
وصحيح ان صاروخين او ثلاثة صواريخ لن يؤثروا في مجريات الحرب الاسرائيلية ضد غزة، لكن ذلك بمثابة تعبير عن ان اللبنانيين الذين دأبوا على اسماع صوتهم في مثل هكذا مناسبات، رغم كل ما طرأ على الساحة الاقليمية من متغيرات جعلت كل بلد يهتم بأموره، وهذا الشيء معترف به، بدليل عدم توفر رد سوريا او من مصر، حيث الانشغالات الداخلية تتصدر كل ما عداها، اضافة الى ان السوريين الذين دأبوا على توجيه البوصلة الامنية في لبنان والمنطقة اصبحوا في حال صعبة تحتم عليهم من يهتم بهم مثلهم مثل المصريين والاردنيين والعراقيين الذين يعانون من اوضاع بالغة الصعوبة؟
الشيء الواضح ان الصواريخ التي اطلقت من الجنوب لا علاقة لحزب الله بها، بدليل «بدائية» الاعداد لاطلاقها، فضلا عن ان العملية ادت الى اصابة واحد او اكثر ممن نفذوا العملية، حيث عثر في المكان على آثار دماء، وبقايا صواريخ لم ينجح من نصبها في اطلاقها، ربما لانهم فوجئوا برد الفعل الاسرائيلي حيث انهمرت قذائف مدفعية على المكان، او لأن هؤلاء شعروا بحركة للجيش والقوة الدولية في القرب من المكان، ما دفعهم الى الهرب وترك بقية الصواريخ في محلها (…)
لقد ظهر هذا الحدث وكأن لا علاقة لحزب الله بما حصل، حيث لا مجال للقول ان الحزب المنشغل بالحرب السورية يريد ان يدل اسرائيل على انه جاهز للقتال على جبهة الجنوب، او انه يرغب في تسخين المنطقة بمعزل عن الحاصل في سوريا، من غير الاخذ بما صدر عن الادارة الايرانية من ان قدرات طهران وصلت الى المتوسط ان لجهة شمال سوريا او لجهة جنوب لبنان، وفي الحالين من الواجب القول ان الايرانيين غير مستعدين لان يحركوا اية جبهة لها علاقة بالوضعين اللبناني والسوري، كي لا تتطور امورهم العسكرية مع اسرائيل الى ما يعزز الاعتقاد ان الملف النووي الايراني قد وضع على حافة «النوتة» العسكرية من مثل ما وعد به رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو من استعداد لضرب المفاعل النووية في ايران!
المؤكد في هذا الصدد ان حزب الله بعيد تماما عن عملية اطلاق الصواريخ وهكذا بالنسبة الى ايران، على رغم القول تكرارا انها من فعل جماعات بدائية لا سابق لها في هذا الصدد، من قبل مجموعات فلسطينية او متعاطفة مع اهالي غزة، لاسيما ان الذين بوسعهم تحريك الجبهة الفلسطينية من الضفة لم يصدر عنهم ما يمكن القول عنه انه «شعور فلسطيني بالذنب»!
واذا كان من كلام آخر على الموضوع، من الضروري القول ان رد الفعل الاسرائيلي لم يوقع خسائر لكن في الوقت عينه قد اظهر استعداد العدو لان يوسع بيكار حربه على غزة من دون انتظار لومة لائم، لا من جانب لبنان او جانب اي بلد عربي آخر، لان الجميع منشغلون باحوالهم الداخلية التي تكاد تصل الى ما يشبه الكارثة والادلة على ذلك اكثر من ان تحصى!
فالسوري غارق في حربه الداخلية، والعراقي منشغل بحربه مع داعش والمصري لم يعد يعرف ما اذا كانت السلطة قادرة على مواجهة جماعة الاخوان، وليس بالضرورة القول ان لبنان مثلهم، لمجرد ان ازمته السياسية تكاد تزهق الارواح المطلبية وما اليها من اهتمامات تشبه كل شيء باستثناء القول اننا في وضع طبيعي؟!