IMLebanon

صواريخ «حزب الله»

لا نعتقد ان احداً يثق بمحمود عباس مفاوضاً او حاكماً. لا احداً ايضاً يثق بخالد مشعل ثائراً او قائداً. الاول الذي يمضي في تلك المفاوضات العبثية التي لم توصل ولا توصل الى شيء، لا يتورع عن الحديث حول التنسيق الامني مع اسرائيل للحيلولة دون اندلاع الانتفاضة الثالثة. الثاني الذي لا يشبه الشيخ احمد ياسين في حال من الاحوال سقط في غواية السلطة. ايضاً في غواية السراب.

ولكن الايقول ذلك الفلسطيني العتيق في مخيم عين الحلوة ان الفلسطينيين دخلوا في التيه منذ ان وقّع ياسر عرفات اتفاق اوسلو الذي كان عبارة عن كوميديا ديبلوماسية لا بد ان تنتهي تراجيدياً .

حقاً من يقود الفلسطينيين الآن؟«فتح» التي شاخت وترهلت ( حدقوا جيداً في وجه صائب عريقات) وتحولت الى ظاهرة بيروقراطية تحظر حتى استخدام الحجارة في وجه يهوه، ام « حماس» التي ما ان حدثت الازمة في سوريا التي احتضنتها في ايام الشدة.وحوصرت من اجلها، حتى كانت تدرب شذاذ الآفاق في معسكر عند الحدود التركية وتفتح الابواب الخلفية لمخيم اليرموك امام « جبهة النصرة» للانقضاض على عاصمة الامويين.

ربما كانت هذه حالة عربية عامة. النساء لم يعدن يلدن القادة. غالباً ما يضعن اشباه الرجال. كلنا ايها السادة اشباه الرجال، والاهل كان بالامكان تسليم مفاتيح الامة لذلك النوع من البرابرة؟

الطريف ان يقال في الغرب الآن ان التاريخ توقف عن انتاج الرجال. من زمان سخر ديزموند ستيوارت وهو يكتب «ان التاريخ عندنا يراقص كوكو شانيل ويحتسي الكوكا كولا». كتب ايضاً عن القطيعة بين التاريخ والخيال. تصوروا كيف يرث فرنسوا هولاند شارل ديغول، وكيف يرث ديفيد كاميرون ونستون تشرشل، وكيف ترث السيدة انغيلا ميركل كونراد اديناور.

في فرنسا يقولون ان هولاند يتعاطى مع التاريخ من فراش عشيقته، وفي بريطانيا يقولون ان كاميرون يتعاطى مع التاريخ بضحكة من الزجاج اومن الغبار، وفي المانيا يقولون ان ميركل تتعاطى مع التاريخ بثياب المطبخ.

هل تسألون كيف يتعاطى القادة العرب مع التاريخ؟ اكثر من مرة نصحناكم بان تسألوا قدمي شهرزاد او ان تتابعوا ما يتفوه به القناصل. دمى في حضرة الاساطيل.

مشكلة الفلسطينيين انهم من دون قائد. على جدران المخيمات صور ممزقة او ملطخة لياسر عرفات الذي حوّل الفدائيين، ولطالما كانوا حلمنا في ايام المراهقة، الى شرطة سير في منطقة الطريق الجديدة. هل تذكرون كيف تباطأ، اسحق رابين، والى حد الفضيحة، وهو يمد يده لمصافحته في حديقة البيت الابيض؟ في تلك اللحظة كان يفترض بعرفات ( الذي نستغرب كلياً الحديث عن اغتياله) ان يدرك ان القبضة التي تمسك بالحجر، هي الطريقة الوحيدة لمصافحة ذاك الطراز من البشر.

بتلك الكلمات الباهتة، والمرتبكة، والهلامية، تعامل ابو مازن مع مهرجان الدم ( ولعله مهرجان العدم) في غزة. اما خالد مشعل الذي ينتقل من بلاط الى بلاط فاشترط لوقف الصواريخ «وقف الاعتداء على اهلنا». هل هذه هي فعلاً القضية؟وقف الغارات. بعد ذلك تعود الامور الى الحلقة اياها: الصراع الفلسطيني- الفلسطيني ولو تحت سقف تلك الحكومة الهجينة.

من اعطى الصواريخ لاهل غزة؟ على الاقل لكي لا يبقوا عراة . على الاقل لا يبقوا ضحايا؟ للتو وجه بنيامين نتنياهو اصابعه الى ايران وسوريا. غريب انه لم يشر الى اي جهة اخرى. اذا كنتم تسالون عن صواريخ العرب، حاولوا ان تبحثوا عنها في غرف النوم.

ليس من قبيل الانحياز الى الشخص او الى الحزب. ولكن لا بد ان سياسيين واعلاميين كثيرين سمعوا كلاماً لافتاًمن بعض الديبلوماسيين، بمن فيهم ديبلوماسيون اوروبيون هزتهم جثث النساء والاطفال في غزة. هؤلاء سألوا لماذا لم تنتج المأساة الفلسطينية بكل اهوالها رجلاً مثل السيد حسن نصر الله؟

لا يعنينا الآن انخراط» حزب الله» في اللعبة الساسية الداخلية بكل مثالبها بل بكل فضائحها. ولكن الايقول الديبلوماسيون اياهم ان اسرائيل، ببنيتها التوراتية كما ببنيتها العسكرية ( وثمة تلازم عضوي بين الاثنتين) لا تتقن سوى القوة ولا تصدها ( حتى في المفاوضات التي لا تؤمن بها على كل حال) سوى القوة؟

انهم يتساءلون الآن : ماذا اذا اندلعت الحرب بين «حزب الله» واسرائيل؟ الديبلوماسيون اياهم، وقد سمع ساسة واعلاميون ذلك، يقولون ان اجواء لبنان لن تكون في حال من الاحوال، وكما كانت في السابق مشرعة امام قاذفاتهم . يدرك الاسرائيليون ذلك، كما يدركون ان مفاعل ديمونا لا يمكن ان تحميه القبة الحديدية التي قد تكون وضعت في صحراء النقب من اجل التمويه.

واذا كان المفاعل قد تحول الى رمز( شمعون بيريس كاد يقول انه البديل عن هيكل سليمان)، فان الديبلوماسيين الاوروبيين يتحدثون عن «بنك اهداف»لـ «حزب الله» يتجاوز المفاعل بكثير. الاسرائيليون يدركون ذلك, كما يدركون ماهية الصواريخ المتطورة جداً ( اجل جداً) التي يمتلكها الحزب الى اين تصل وماذا يمكن ان تفعل.

لا نقول هذا من قبيل المباهاة.ما يردده الديبلوماسيون الاوروبيون نعرفه جيدا، ونعرف ماذا يعني «توازن الرعب» بين لبنان واسرائيل التي يسأل الناس فيها كيف وصلت الصواريخ الى غزة ومن هو المسؤول.

يوئيل ماركوس ربما كان الاكثر صدقية حين يقول «انا اصدق نصر الله في كل ما يقوله». يصدق ما تقوله الصواريخ بطبيعة الحال!