رغم دقة الوضع الامني وحساسيته، يبقى الواقع السياسي الأصعب، لأنه محكوم بانتخابات رئاسية معلقة، وانتخابات نيابية على طريق التأجيل. وفي المعلومات ان الحل الاقليمي في شأن الطبخة الرئاسية لم ينضج بعد. وبالتالي فان عودة الرئيس الحريري لا تعني ان اسم الرئيس الآتي سيتبلور في جلسة الاسبوع المقبل، او حتى في الجلسة التي تليها. لكن العودة رغم ذلك تؤشر الى وجود مساع حقيقية لحل الأزمة الرئاسية، وان كان هذا الحل قد يستلزم عدة اسابيع بعد.
وسط هذه الاجواء هناك من يعتقد بأن جلسة الثلاثاء، ستكون «ميزان» الانتخاب الرئاسي او جسر عبور الى جلسة نهائية، حيث تكشف مصادر سياسية آذارية عن «مفاجأة ما» نتيجة فتح ثغرة هامة في جدار الاستحقاق الرئاسي واعادة التواصل والتشاور الواسع النطاق، بين مختلف القوى السياسية تحضيرا لتأمين انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت.
ما يتقاطع مع معلومات مصادر دبلوماسية،عن بوادر حلحلة ستتظهر جليّا بعد الثلاثاء الانتخابي، في ظل تقدم شخصيتين السباق بفارق كبير في النقاط عن باقي «المرشحين» .
غير أن معطيات الأيام الماضية فرضت مرحلة جديدة، اذ تعتقد مصادر في تيار المستقبل ان «خريطة الطريق» التي كان الحريري أعلنها قبل اسابيع قليلة كملاذ لإنقاذ لبنان وتقوم على الحاجة الى انتخاب رئيس للجمهورية كـ «اولوية الاولويات»، ادت يومها الى تحريك «المياه الراكدة» عبر سلسلة من المبادرات التي اضطلع بها النائب وليد جنبلاط، ما ساهم في التسريع بعودة زعيم «تيار المستقبل» الى بيروت بتسريع خطواتها.
وبحسب المتابعين، تنطلق الحركة الملحوظة لرئيس «جبهة النضال الوطني» من معطيات دولية وإقليمية، تسمح ظروفها باخراج الانتخابات الرئاسية من عنق الزجاجة على قاعدة تحقيق نقطة التقاء بين الطرفين الرئيسيين في المعادلة، تيار المستقبل وحزب الله، على مرشح توافقي يدير الأزمة خلال السنوات الست المقبلة.
امر توحي به مصادر مقربة من المختارة، التي قرات في طيات العودة اشارات واضحة على تقدم مساعي التسوية الدولية – الاقليمية الموضوعة على نار هادئة، تتلاقى مع ما لدى جنبلاط من معطيات.
من جهتها تجزم مصادر الحريري بان ربط العودة بصفقة تتعلق برئاسة الجمهورية، انما هو محض محاولة افشال للايجابية التي شكلتها تلك العودة، من اطراف معروفة الغايات والاهداف، علما ان نواب قوى الرابع عشر من آذار شاركوا في جميع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي دعا اليها رئيس المجلس، بينما «حزب الله» ومن معه، هم الذين كانوا ولا يزالون يعطلون النصاب، مشيرة الى ان «الشيخ سعد» سيبدأ حوارا مع مختلف القوى السياسية على قاعدة أهمية التوافق على الرئيس، انطلاقا من الدينامية الجديدة للتحرك الموحد لقوى الرابع عشر من آذار، كاشفة ان محاولات لمرجعية مسيحية جرت لإقناع الرئيس الحريري صاحب الخطوط المفتوحة مع العماد عون، بمصارحة الاخير بالمشاركة في اختيار رئيس توافقي، لكن هذا الطرح لم يجد الصدى المقنع، لأن مثل هذه المهمة الأولى ان تأتي من مرجعية مسيحية جامعة، وعلى هذا الأساس سوف تطرح بكركي عقد لقاء موسع للقيادات المسيحية السياسية، ووضعها امام مسؤولية تزكية المرشح الرئاسي الانسب للطائفة وللوطن والمشترط ان يحظى بمعايير البطريرك بشارة الراعي اي من خارج 8 و14 آذار.
من هنا تضيف مصادر الحريري ان الدعوات الهادئة إلى عدم تحميل هذه العودة أكثر مما تتحمل، إن على صعيد ملء الشغور الرئاسي أو على صعيد الانتخابات النيابية، إذ يكفي الآن نجاح الحريري في تقديم المساعدة النوعية والضرورية للجيش، وتثبيت دعائم الاعتدال في البيت السني.
انجازان لا يمنعان، باي حال من الاحوال، فريق الرابع عشر، من إنضاج أفكار جديدة تسهم في تأمين انتخاب رئيس للجمهورية، علما بأن لا مؤشرات على أن فريق الثامن من آذار سيسهل المهمة.
في المقابل أعربت مصادر في 14 آذار عن اعتقادها ان الجانب السياسي لمواجهات عرسال قد أسفر عن وقائع جديدة شديدة الأهمية والتعقيد، من ضمنها مكرمة المليار دولار وما تعنيه من دور سعودي متقدم للمحور الذي تمثله المملكة السعودية والذي لا بد ان يترجم مكاسب سياسية على حساب الطرف الآخر،
ما يرخي شكوكاً فعلية تحوط الدينامية السياسية المستجدة التي تسعى الى إحداث خرق في الملف الرئاسي على قاعدة الحاجة الى تجنيب لبنان المزيد من الاخطار، عززتها ردات الفعل المترددة لقوى الثامن من آذار، في ظل غياب أي موقف رسمي لحزب الله الذي اكدت اوساطه انه يحتاج الى وقت لدرس الخطوات، مشيرة الى «ان الامور ستتوضح الثلثاء».
فاللقاءات في دارة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وحركة النائب وليد جنبلاط، واستقبالات السيد حسن نصرالله، وزيارات الرئيس السابق امين الجميل، مؤشرات الى حراك حتمته احداث عرسال الخطيرة، وبالتالي التمديد للمأزق السياسي – الدستوري عبر تمديد اضافي للبرلمان.
طبيعي أن تشكل «العودة» مناسبة حيوية لتنشيط ملف الاستحقاق الرئاسي ولو أن الاولوية هي للاستقرار الامني،حيث تاتي عرسال وارتدادات احداثها في الواجهة، وفي مقدمتها قضية أسرى الجيش وقوى الامن الداخلي .
فبين صرخة اهاليهم التي علت خلال اعتصامهم عند مدخل دورس، محملين الدولة مسؤولية ابنائهم، مطالبين بالافراج عنهم والا التصعيد، وبين البكاء المخنوق لاهالي الشهداء، تغريدة لنجل قائد الجيش، جاد قهوجي،على «تويتر» قال فيها : «ما حدا صامت متلك، الحق ما بموت وإنت بي الحق، صار لازم تفضح كل شي»، مسافة تزداد غموضا والتباسا وضبابية في غياب المعطيات الواضحة والدقيقة، الطاغية على التسوية السيئة والاتفاق الاسوأ، الذي قضى بإنسحاب الارهابيين ومعهم العناصر العسكرية.