IMLebanon

ضرورة إعطاء 8 آذار «مُهلة سماح» للحريري

رغم التزامن والترابط بين هبة المليار دولار أميركي التي قدمها الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الى الدولة اللبنانية لتأمين مستلزمات مواجهة الإرهاب الذي تواجهه السعودية أيضاً، وبين عودة رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري من منفاه القسري الى لبنان من اجل متابعة هذه الخطوة ومناقشتها عن كثب مع المعنيين كافة من مسؤولين رسميين وعسكريين وأمنيين، وكيفية صرفها وثم توزيعها في اتجاه تأمين متطلبات المؤسسات المولجة مكافحة هذه الظاهرة التي تم استجلابها الى لبنان، اذ رغم أهمية هذا العامل تقول اوساط سياسية واقتصادية في قوى 14 آذار يدخل الحضور الشخصي لزعيم الطائفة السنية وكذلك رئيس الفريق الأوسع في قوى 14 اذار على الساحة اللبنانية ليرسم خطّا فاصلا بين تجربة عاشها لبنان منذ إسقاط محور الممانعة له وما تبع الخطوة من مفاعيل…

اذ عاد الحريري الى لبنان وسيعود مجددا بعد مغادرته الى السعودية بعد تجربة ثلاث سنوات لحكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي والتي ضمّت يومذاك كل فرقاء 8 اذار، وكانت من نتأئج تشكيلها وسياستها حسب الاوساط عزل لبنان اقتصاديا وتراجع الثقة الدولية بالحكومة بعد الخطوة الانقلابية على الحريري ونسف التسوية الدولية التي تم إنتاجها بالدوحة قبلها. عدا ذلك، فان الشارع السني كان في حالة ثورة وعدم انضباط نتيجة الاستياء من إقصاء زعيمه واضطراره الى غياب قسري استتبع باغتيال اقرب المقربين اليه الشهيدين اللواء وسام الحسن والوزير السابق محمد شطح، والى ذلك كان دخول حزب الله الحرب في سوريا الى جانب الرئيس السوري بشار الأسد في مقابل الثورة السورية مع ما ترك هذا القرار الذي اعلن عنه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله من تداعيات سلبية على الداخل اللبناني، لا سيما بعد تطوير دور الحزب من الدفاع عن القرى الشيعية في منطقة القصير ومنها الى حماية المراقد الدينية الشيعية وبعدها دعم الرئيس الأسد والقتال على جميع الجبهات وصولا الى العراق والظهورالملتبس «الوحشي» لحركة «داعش» على مدى ساحات الصراع العربية..

وعودة الحريري الى لبنان لقيادة مواجهة الإرهاب والحدّ من التطرف وترسيخ الاعتدال وتعزيزه من خلال دور دار الإفتاء الذي استرده من المفتي السابق محمد قباني تتابع الاوساط، ترافقت مع واقعين ظاهرين بعيدين عن مفاعيل التحديات الامنية التي توزّعت بين العمليات الإرهابية والانتحارية في اكثر من منطقة، وبين غزوة عرسال وتداعياتها والجرح المفتوح الذي خلّفته اثر تضحيات الجيش اللبناني المستمرة، اذ ان ظرفا سياسيا تشهده البلاد هو افضل من المرحلة السابقة، يتوزع بين تركيبة الحكومة الحالية التي ضمت معظم القوى الاساسية في البلاد ما عدا «القوات اللبنانية» التي قررت عدم المشاركة لأسباب أوضحها سابقا رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع، اذ تمكنت حكومة الرئيس سلام من اجراء تعيينات مختلفة لمصلحة كل القوى الممثلة فيها وملء الشغور في عدة مراكز، وحققت بذلك حكومة «الشراكة» بين 8 و14 اذار نتائج في هذا الحقل لم تتمكن من إنجازه حكومة اللون الواحد، ويكمن الواقع الثاني في حركة التحاور بين «تيار المستقبل» وبين «التيار الوطني الحر» الذي توّج بلقاء الرئيس الحريري ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون في باريس، واستتبع بعدة لقاءات حوار بين قياديين من الجانبين، وهي لا تزال مستمرة حيث التقى بداية الأسبوع الحالي النائب السابق غطاس خوري موفدا من الحريري وسليم صباغ المقرب من عون برئيس التيار الوطني في الرابية على ما قالت أوساط نيابية في التكتل، وقد بلغت هذه العلاقة في احدى محطاتها حدّ اعتبار انه من الممكن ان تستكمل هذه الحركة بدعم رئيس المستقبل وصول رئيس التيار الوطني الى رئاسة الجمهورية، ليتبين لاحقا ان الحريري يصرّ على احترام حلفائه وعدم تجاوزهم، متمنيا على عون إقناعهم بدعمه الى رئاسة الجمهورية، خصوصا ان لقوى 14 اذار مرشحها الى رئاسة الجمهورية، عدا ان رئيس تكتل لبنان اولا يتمسك على ما ابلغ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بدعمه لاي مرشح تتوافق عليه الأطراف المسيحية كافة، لكن هذا المسار الحواري من شأنه ان يوصل الى تعزيز قنوات التواصل للتفاهم على كيفية الإفراج عن الفراغ وانتخاب رئيس للجمهورية بالتفاهم مع عون لاستحالة التوافق عليه…

اذا تضيف اوساط 14 آذار ان عودة الحريري في ضوء الفراغ الرئاسي وتحرّكه الميداني ولقاءاته عن كثب مع أقطاب الساحة اللبنانية في ظل واقعين جديدين يتمثلان بالإنتاج الحكومي المشترك والحوار مع التيار الوطني في موازاة الملف الأمني الذي وضعته السعودية على عاتقه، كل هذه الأمور جعلته حاملا لأوراق تمكّنه من مخاطبة القوى المواجهة بان تجربة التفرد في إدارة البلاد والقتال خارج الحدود بدت نتائجها واضحة، عدا الأزمات الاقتصادية المتمثلة بلغم السلسلة الذي زرعته الحكومة السابقة، كلّها عوامل من شأنها ان تدفع بالقوى السياسية المقابلة او عدد من أطراف 8 اذار من التي أطلقت النار على عودته ومضمونها، الى إعطائه فترة سماح او نصفها أقله ليتولى هامشا واسعا لنهج حواري دعا اليه باستمرار في اتجاه كل الفرقاء، ولا سيما في هذا الوقت مع العماد عون للتوصل الى نوع من تحاور او تسوية رئاسية بالتنسيق مع كل الأطراف تؤدي لإخراج البلاد من الفراغ الرئاسي والانتقال بالبلاد الى مرحلة جديدة على وقع تحولات دولية – إقليمية بدت أولى تجلياتها بتراجع ايران عن تبني عودة رئيس الحكومة السابق نور المالكي في خطوة تحمل إشارات تجاه المجتمع الدولي وتحديدا واشنطن، عدا انها تهدف الى استيعاب سلبيات ممارسات المالكي التي رتبت ردات فعل تربعت عليها داعش.

اذ ان منطق التفرّد بالحكومة تكمل الاوساط ذاتها منذ إسقاط الحريري ومضي الفريق الحاكم في تحدي واستفزاز الفريق المقابل على انه خاسر أدى للإطاحة بالحكومة وعدم تمكنها من الاستمرار لأسباب عديدة، بما يعني ان العودة الى واقع البلد وخصوصيته بعيدا عن المكابرة ونتائجها المدمرة تشكّل المدخل نحو حماية لبنان وتحصّنه من أي بدع او ظواهر غريبة عنه وعن مجتمعه، وان هذا القرار من شأنه ان يعيد اليه الاستقرار الأمني والانتعاش الاقتصادي دون ان يعني ذلك توقفه عن تكبد تداعيات الحرب السورية… لكن بدرجة اقل، «ان سلمت النيات»، ولا تهدف هذه القوى الى نسف النظام اللبناني او الانقلاب على الطائف مع ما قد تحمل هذه الحسابات من احتمال بان ينسحب ما واجهه المالكي في ايران من «فشل» وعدم قراءة لمترتبات نهجه على الواقع اللبناني…