لا يشعر بحجم الضغط الهائل الذي تُمارسه دولة الفاتيكان في المحافل الدولية من أجل انتخاب رئيس للجمهورية إلّا الذين يقع عليهم هذا الضغط، ويُطلَب منهم القيام بمهمّاتٍ لإنقاذ موقع «موارنة الجمهورية».
تُصعّد بكركي داخليّاً بالتنسيق مع الفاتيكان الذي يقود حملة ديبلوماسيّة خارجيّة شرسة، يستخدم فيها مختلف الأسلحة التي يملكها، خصوصاً في الأسبوع الأخير من نهاية المهلة الدستورية المخصّصة لإنتخاب رئيس. ويكشف مصدر فاتيكاني لـ»الجمهورية» أنّ «الضغط الذي يمارسه الكرسي الرسولي في المحافل الدولية بلغ ذروته في الأسبوعين الأخيرين، وسوف يُستكمل هذا الأسبوع»، موضحاً أنّ «عمل خليّة الأزمة التي شكّلها، يتركّز في الإدارة الأميركية من أجل رعاية صيغةٍ لإتمام الاستحقاق الرئاسي، بالتوازي مع استنفار كلّ المؤسسات الفاتيكانية النافذة لممارسة ضغط إضافيّ على المؤثّرين على الانتخابات».
«الفاتيكان في انتخابات 2014 الرئاسية اللبنانية، هو غير الفاتيكان في الاستحقاقات الرئاسية السابقة»، حيث يَعتَبر المصدر أنّ «هذه الدولة المؤثّرة في السياسة العالمية نظراً للإمكانات التي تملكها، دخلت نادي الناخبين الرئاسيين، لكن ليس من باب المصالح، بل من باب الحفاظ على الوجود المسيحي»، مؤكّداً أنّ «الدول الخارجية المؤثّرة في الانتخابات هي أربعة فقط: الولايات المتحدة الأميركية، إيران، المملكة العربية السعودية، والفاتيكان، لذلك، ستشملها الحركة الفاتيكانية هذا الأسبوع».
وفي هذا الإطار، تراجع دور سوريا وفرنسا. فسوريا منشغلة بأزمتها، وبالحرب الدائرة على أرضها، إذ إنّ نفوذها على الساحة اللبنانية تراجعَ بشكل كبير، على رغم قدرتها التخريبية أحياناً، حيث يبحث النظام السوري عن طريقة للخروج من أزمتِه والبقاء في السلطة، فيما باتت إيران اللاعب الأساسي وقد ساندت النظام السوري، لتصبح مدخله الى الساحة الرئاسية اللبنانية. أمّا فرنسا فقد تراجع دورُها بعد وصول «الإشتراكيين» الى قصر «الإليزيه»، وتخبّطهم في المشاكل الداخلية وعجزِهم عن تأدية أيّ دور خارجي.
وتشهد بكركي والسفارة البابويّة في حريصا حركةً استثنائية، فلا تنامان، نظراً إلى أنّ الفاتيكان يضغط على موارنة الداخل عبر الكنيسة المارونية وبطريركها الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي يصعّد من لهجته الحازمة، ويقول إنّ «الدستور أمرَ بانتخاب رئيس للجمهورية، وعارٌ على النوّاب أن لا يقوموا بواجبهم».
ويكشف مصدر كنَسي لـ»الجمهورية»، أنّ «البطريرك يمارس ضغطه على النواب المسيحيّين الذين يقاطعون الجلسات، وعلى القادة الموارنة، وقد رسمَ خطّة تحَرُّك لهذا الأسبوع، ستنفَّذ بسرّية تامّة، مترافقةً مع تصريحات عَلنية تضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم»، واصفاً الوضع الرئاسي بـ»الحذِر جدّاً».
وتأتي هذه الخطة بعد زيارة السفير السعودي علي عواض عسيري إلى بكركي، وقد فسّرت أوساط كنَسية هذه الزيارة بأنّها «أعطت تأييداً سعوديّاً للبطريرك ودعماً للتحرّك الذي ينوي القيام به، وفي الاتجاه الذي يراه مناسباً، خصوصاً عندما قال عسيري إنّ هذا الاستحقاق مسيحيّ لبناني، والسعودية لا تتدخّل».
ومن جهة ثانية قرأت الأوساط في هذا التصريح أنّ «السعودية لم تعُد تضع «فيتو» على أيّ مرشّح ماروني للرئاسة، ومن بينهم رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، خصوصاً أنّ زيارة عسيري تزامنَت مع زيارة وفد «حزب الله» إلى بكركي، على رغم أنّ الحزب أتى تحت عباءة الاعتراض على زيارة الراعي إلى الأراضي المقدّسة».
وتكشف مصادر مطّلعة أنّ «الفاتيكان سيتعامل بواقعية خلال هذا الأسبوع مع الأسماء المرشّحة، تزامُناً مع الانتقال الى مرحلة جوجلة الأسماء، بحيث لن يسمّي البطريرك أيّ مرشّح، لكنّ الأجواء تقول إنّه سيبارك الاسم الذي يتّفق عليه الجميع، ويستطيع أن يعيدَ إلى الموارنة دورَهم ووجودَهم على رأس السلطة التنفيذية وعلى رأس الدولة، ويشكّل همزةَ وصلٍ بين المتنازعين».
تنتظر بكركي والفاتيكان ثمارَ ضغطهما، ليتصاعد الدخان الأبيض. وإذا كانا يتجنّبان الدخول في الأسماء، فإنّ كلّ شيء مُتاح في الساعات الأخيرة.