للمرّة الأولى يُجمع القادة الأمنيون على اعتبار الشهرَين المقبلين من أخطر الأشهر المنتظَرة أمنياً، وهم يدركون الأسباب والظروف ويقدّرون حجم المخاطر. لكنّهم مصمّمون على المواجهة بكل ما أوتيوا من إمكاناتٍ لم تعد قليلة، بدليل أنّ الحرب الإستباقية أعطت مفاعيلها عندما عبَر لبنان مطبّاتٍ أمنية كبيرة. ما الدافع الى هذه المخاوف؟ وما هي وسائل المواجهة؟
ليست المرّة الأولى التي يترصَّد فيها اللبنانيون حجم المخاطر التي تواجه البلاد، فالمنطقة تغلي والنيران مشتعلة في بيوت الجيران من أعداء واشقاء. في غزة جنوباً يشهد العالم على مجازر تُرتكب في حقّ مليونَي ومئتَي الف فلسطيني. وفي سوريا شرقاً وشمالاً، كما في العراق حيث تتغيَّر معالم الحدود وتندثر، وتُلغى المعابر بين دولتين.
هذه الصورة تظلّل القراءة الأمنية لما حصل ويمكن أن يحصل في لبنان، ليس لتكون نموذجاً يمكن تعميمه، بل لتكون دافعاً الى حجب النيران المشتعلة عن لبنان، فجميع المتقاتلين في دول الجوار، ما عدا العدوّ الإسرائيلي، لهم «ممثلون شرعيون» في لبنان، يتعاطفون مع هذا أو ذاك.
ويعترف قادة أمنيّون أنّ الحد الأدنى من التوافق السياسي المتمثّل في تركيبة حكومة «المصلحة الوطنية» نجح الى حدٍّ بعيد في تخفيف حدة ما يمكن أن تعكسه هذه الأحداث على الساحة اللبنانية، أضف الى ذلك أنّ للطوائف اللبنانية خصوصيات تُميّزها عن ابناء مذاهبها وطوائفها في تلك البلدان، تُبعد شبح الفتنة الى حدٍّ بعيد عن البلاد، لكن مَن يسعى الى إستثمار الساحة اللبنانية قد يكون قادراً بين الفينة والأخرى على استثمار بعض الثغرات لتوجيه رسالةٍ الى وكيل هذا المحور أو ذاك.
وفي ظلّ بعض الضمانات المتوافرة من الخارج والداخل، ترصد المراجع الأمنية بدقة تحرّكاتِ مجموعاتٍ مشتبه بأنها تُدبّر شيئاً، وتتعاون الأجهزة الأمنية والإستخبارية اللبنانية ونظراؤها في بلدان عدة، فتتقاسم المعلومات في شكل يضمن نسبةً معيّنة من الأمن الوقائي الذي مكّن الأجهزة الأمنية من تحقيق بعض الإنجازات. فقادةُ هذه المجموعات ومَن يديرهم تلقوا رسائل مباشرة ومشفّرة تنذرهم بالأسوأ في حال التحرك او محاولة ترجمة مخططاتهم على اراضٍ لبنانية.
وعلى هذه الخلفيات أحيا قادة الأجهزة الأمنية لقاءاتهم الدورية للبحث في جدول أعمالٍ وصفه أحدُ المشاركين في إجتماع الأمس في وزارة الداخلية وأمس الأول في وزارة الدفاع أنّه ما زال هو هو، منذ أن تقرَّر عقد هذه الإجتماعات على هذا المستوى القيادي، بهدف تبادل المعلومات إزاءَ ما يجري على الحدود اللبنانية – السورية شمالاً وشرقاً وتقويم الخطط وتنسيق الخطوات الميدانية.
وعلى جدول الأعمال ايضاً الوضع الأمني في طرابلس الذي يبدو أفضل بكثير مما كان سابقاً، بعدما ثبُت أنه يمكن محاصرة أيّ مجموعة تَنوي اللعب بالنار. وفي المخيّمات الفلسطينية بدايات مشجّعة لخطة أمنية بدأ العمل فيها لضَبط الوضع من الداخل لملاقاة ما تتَّخذه وحدات الجيش من تدابير في محيطها ضماناً لأمنها وأمن محيطها، في ما بقيت معظم «المناطق الحساسة» موضعَ عناية تامة، تزامناً مع توقيف معظم محترفي الجريمة وقادة عصابات الخطف لقاء فدية.
وفي حسابات القادة الأمنيّين عناية خاصة بحركة إرهابيين محتمَلين باتوا تحت رقابة محلية ودولية بعدما نجحوا في عبور حدود بعض الدول والإنتقال في ما بينها بحرية لم تعد حرّة كما كانت في السابق.
ولا يلغي القادة الأمنيون من حساباتهم إمكان وجود بعض الثغرات التي يمكن أن يخترقها «محترفون»، ولذلك يحتسبون شهرَين من المخاطر لا بدّ من مواجهتها بما أوتيوا من امكاناتٍ وقوة. ولذلك ألغى القادة الأمنيون برامج سفر الى الخارج ليكونوا جميعهم اقرب الى مسرح ايّ حدث، وُعمِّمت النصيحة كذلك بإلغاء كلّ استقبالات عيد الفطر، والبيانات المتتالية تُعبّر عن بداية العمل بهذه المحاذير. أما بعد هذين الشهرين، فلكلّ يوم عدّته وقراءته حسب المعطيات.