صدر فجأةً القرار 2170 بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي، وتحت الفصل السابع لتأديب «داعش». وفجأةً تحسَّس رئيس وزراء بريطانيا دايفيد كامرون رأسَه، واستنهضَ هِمّة المملكة لمواجهة «داعش» الذي قد يضرب في شوارع لندن. وفجأةً أصبح العمل العسكري الغربي المشترك ضدّ هذا التنظيم مادة بحثٍ ونقاش عند الإدارة الأميركيّة، وفي الاتّحاد الأوروبي، وحتى داخل الحلف الأطلسي.
يندفع هذا التحوّل الفُجائي متأثّراً بعاملين: الاستئثار «الداعشي» بكمّيات هائلة من النفط في المناطق الواقعة تحت سيطرته، سواءٌ في سوريا، أو العراق، وحِرص الدول الكبرى على مواكبة المستجدات الميدانيّة، وما تفرزه من وقائع جديدة على الأرض لحماية مصالحها، وتأمين استمراريتها.
تدخَّلَ الرئيس باراك أوباما عندما أصبحت المصالح الأميركيّة – الإسرائيليّة في أربيل وإقليم كردستان في دائرة الخطر. طرحَ كامرون الصوت عالياً، بعدما تأكّد أنّ ترسيم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط قد بدأ على أنقاض حدود سايكس – بيكو، وأنّه يريد حجزَ حصّة مرجّحة لبلاده.
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يتطلّع نحو تحرّك منسّق بين دول الإتحاد الأوروبي. وزير خارجيّة إلمانيا فرانك فالتر شتاينماير يُعلن معارضته إقامة دولة مستقلّة للأكراد في العراق حتى لا يؤدّي ذلك الى مزيد من عدم الإستقرار الذي تواجهه البلاد والمنطقة.
قد يمرّ بعض الوقت قبل أن تتَّضح التوجّهات الغربيّة، إلّا أنّ المتابعين في بيروت ينظرون إلى أفق واسع من المستجدّات التي قد يكون لها وقعُها على الساحة اللبنانية انطلاقاً من:
أوّلاً: خروج المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرّية يوكيا أمانو من مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني مرتاحاً إلى نتائج المحادثات ومستقبل التعاون.
ثانياً: بَدء التعاون الجدّي ما بين الولايات المتحدة وإيران على معالجة الملفات الصعبة والمعقّدة في المنطقة انطلاقاً من العراق. إبعاد نوري المالكي عن رئاسة الوزراء، وتعيين حيدر العبادي. تقليص نفوذ «داعش» ضمن نطاق الإقليم السنّي، وردعُه عند تجاوزه الحدود المرسومة له، وإقناعه عن طريق القوّة بأنّ هناك خطوطاً حُمراً لن يُسمح له بتجاوزها.
وهناك في صفوف الديبلوماسيّين من يذهب إلى الأبعد لجهة التأكيد أنّ «ظاهرة داعش» إلى الانحسار بعدما أدّى هذا التنظيم دورَه، وأنجزَ المهمّة المكلّف بها من الدوَل الراعية والداعمة.
ثالثاً: هناك بداية تحوُّل في الموقف الأميركي – الغربي من النظام في سوريا، في ضوء المتغيّرات الميدانية على الأرض، حيث تتَّضح يوماً بعد يوم خطوط الطول والعرض لجغرافية النفوذ الجديدة والتي تدفع بسوريا نحو فيدراليّة مستنسَخة عن الفيدراليّة العراقيّة، مع بعض التصرّف المتوافِق وطبيعةََ الأرض والشعب، والأقليات والأكثريات.
ويعود ذلك إلى التفاهم الأميركي – الإيراني على ضرورة التعاون لوضعِ الأزمة في سوريا على سكّة الحلّ، خصوصاً بعدما تمكّن تنظيم «داعش» من اقتطاع مساحات شاسعة وضمِّها إلى دولته في الموصل. ويجزم بعض الديبلوماسييّن بأنّ الطلعات الجوّية للمقاتلات السوريّة ضدّ المسلحين في جرود القلمون إبّان المواجهات في عرسال إنّما حصلت نتيجة تعاون استخباراتي أميركي – إيراني – سوري.
في ضوء هذه المستجدّات يتحرّك ملفّ الأقليات على وقع عملية تقاسم النفوذ: المسيحيّون العراقيّون أوّلاً، الأيزيديّون ثانياً، وسائر الأقليات الأخرى. هناك خيارات كثيرة قيد التداول، منها إعادتهم إلى أرضهم وقراهم وضياعهم ومناطقهم، ومنها إيجاد إقليم خاص بهم يقوم على مبدأ الديموقراطيّة التوافقيّة المعمول بها في لبنان، أو استحداث كانتونات خاصة بكلّ مجموعة ضمن الأقاليم التي توفّر مساحة من الحرّية والتنوّع.
أمّا لبنان وطن الأقلّيات، فليس بمنأى عمّا يجري. ويؤكّد بعض الديبلوماسيين المتابعين لمجريات الأمور على ضمانتين شبه محسومتين: لا تغيير في الجغرافيا، أو الديموغرافيا، وإنّ مشكلة النزوح السوري ستعالَج تباعاً. ثمّ إنّ الصيغة اللبنانية ضرورةٌ غربيّة في الشرق الأوسط الجديد، ووظيفة لبنان الثقافيّة – الحواريّة لا غنى عنها، وإنْ كانت بحاجة إلى تطوير وتفعيل.