أبرز ما سيواكب الحدث الانتخابي اليوم في ساحة النجمة من مفارقات ان يكون اللاانتخاب معيار لبننة الاستحقاق الرئاسي في طبعته الاولى، وهي مفارقة لا تختلف واقعيا عن سوابق عدة رئاسية، لكنها ستتخذ في استحقاق ٢٠١٤ بعدا آخر مختلفاً ومحدثاً. ذلك ان اسوأ الانطباعات المسبقة التي تجتاح الرأي العام تمعن في تصوير عبثية التصويت اذا كان لن يؤدي الى انتخاب الرئيس العتيد. هذا الانطباع يمسي تشويها للاستحقاق وللتصويت ما دام ينطلق من مسلّمة ان لا انتخاب للرئيس من دون ناخبين خارجيين. ولذا يكتسب ذهاب قوى ١٤ آذار الى الجلسة بمرشح واحد هو الدكتور سمير جعجع، حتى لو لم يحصل على ناصية الفوز، بعدا مهما في اسباغ لون سياسي على المعركة بمعزل عن كل حسابات الربح والخسارة. لو لم تفعل قوى ١٤ آذار ذلك لكان الاستحقاق يتيم الشعار والمذاق واللون وتحول مجرد مبارزة رقمية. كما ان فرصة اللبننة المتاحة حتى الساعة ستعرض سائر الافرقاء لمساءلة معنوية عن فرائض الانخراط في الاستحقاق بما يستحق ان يساهم فيه المواطن اللبناني، ولو عبر معاينة سلوكيات الاطراف السياسيين.
بذلك لا يمكن مسخ التصويت بأنه مجرد اصطفاف رقمي او هروب الى الورقة البيضاء او تعطيل النصاب مع ان كل هذه الطرائق مشروعة ويتيحها الدستور واللعبة السياسية. ثمة في هذا الاستحقاق بالذات ما يستدعي تجاوز المشروعية التي تبيح للاعبين سلوك تكتيكات الانتظار الى الذهاب الى ابعد حدود العلنية والشفافية ورفع العناوين السياسية الكبيرة المدوية. ولعل المعنيين الاساسيين بتظهير هذا البعد هم المرشحون من فريقي ٨ آذار و١٤ آذار تحديدا اكثر من المرشحين المستقلين باعتبار ان اجتماعات بكركي رفعت مسلمة عنوانها “المرشح القوي” بالمعنى التمثيلي كمعيار اساسي دون سائر المعايير الاخرى. لذا ستكون الصورة شديدة الالتباس متى تحول الاستحقاق مجرد تصفيات متدرجة للمرشحين “الاقوياء”، على ما تشي طلائع المنازلة. فليكن على الاقل لهذه المنازلة طابع المعركة السياسية الحلال، اي الاحتكام الى ديموقراطية التصفية بين المشاريع لان هذا وحده سيكفل حدا ادنى من لبننة ثابتة للانتخابات، وكذلك سيكفل توسيع هامش القرار الذاتي لسائر الافرقاء في الانخراط في صياغة اللحظة اللبنانية للاستحقاق قبل رفع رايات الاستسلام والهزيمة في انتظار الخارج الذي قد تأتي او لا تأتي كلمته بعد فوات الاوان. فنحن، يفترض ان نكون امام انتخابات لا امام مسرح شكلي ولا ايضا امام حقل الغام محفوف بخطط حربية وافخاخ مخبأة تحت صندوقة الاقتراع. انه رئيس لبنان في النهاية وليس تهريبة في ليل مدبر على ما كان عليه الامر في زمن لم يمر عليه الزمن كثيرا بعد.