لم تبق الأزمة بين مفتي الجمهورية وتيار المستقبل محصورة في بيروت، بل امتدت إلى خارجها. في طرابلس ذات الثقل السني الكبير، خرجت الأزمة عن كونها أزمة شخصية بينهما، بعدما باتت الطائفة على شفير انقسام غير مسبوق
أحدثت دعوة المدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة، أول من أمس، مجلس الانتخاب الإسلامي لانتخاب مفتٍ جديد للجمهورية، في 31 آب المقبل، إرباكاً إضافياً على الساحة الإسلامية في طرابلس.
هذا الإرباك وصل أخيراً إلى طرابلس بعدما كان مقتصراً في السابق على العاصمة بيروت، بسبب «حصرية» الصراع فيها بين مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني وتيار المستقبل، وتحديداً الرئيس فؤاد السنيورة، الذي تحول إلى «رأس حربة» التيار في وجه المفتي.
ثلاثة عوامل أسهمت في نقل هذا الإرباك، وبالتالي الانقسام، إلى طرابلس والشمال: الأول، انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي التي جرت في طرابلس في 20 تشرين الأول 2013 في ظل مقاطعة كبيرة. الثاني إعلان قباني قبل أيام توسيع أعضاء الهيئة الناخبة في المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى بضم كل من يحمل شهادة شرعية إليها، وأخيراً الإعلان أمس عن انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية.
لا أحد في طرابلس والشمال من المعنيين بأزمة دار الفتوى يعرف إلى أين ستصل الأمور بعد هذه التطورات، لكن الأغلبية اتفقت على أن «الأزمة تتعقد كل يوم، ودخلنا في نفق مجهول، ما يجعل انفراجها صعباً».
وفيما لا تزال القوى الإسلامية على اختلافها تتريث في إبداء رأيها، لمعرفة المسار الذي ستسلكه الأزمة، أوضحت مصادر مقربة من الرئيس نجيب ميقاتي أن الأخير «سعى جاهداً لإيجاد مخرج للأزمة، يحمي قباني ودار الفتوى من جهة. ومن جهة أخرى ينهي الانقسام في المؤسسة الشرعية السنية». لكن المصادر اعتبرت أن قباني لم يتجاوب مع ميقاتي، وتيار المستقبل رفض نهائياً إعطاء ميقاتي «شرف» إنجاز هذه المهمة».
وأشارت المصادر الى أن «هذا الصراع لا يعنيه شخصياً ولا سياسياً، ولهذا فإنه في هذا السياق يكتفي بالتفرّج على رؤية من خاصموه وهم يدفعون ثمن أخطائهم». وأنه رغم موافقته على البيان الأخير الذي أصدره رئيس الحكومة الحالي والرؤساء السابقون، حول أزمة دار الفتوى، فإنه لن يذهب إلى أبعد من ذلك، ولـ«يقلع المستقبل شوكه بيديه».
في موازاة ذلك، فإن موقف الرئيس عمر كرامي، وفق مصادر سياسية، لا يختلف عن موقف ميقاتي. وهو أيد بيان اجتماع السرايا، من غير أن يحضره، لأن «المشكلة القديمة بينه وبين المفتي قباني أعمق وأكثر شرخاً من تلك التي بين قباني والتيار الأزرق. لكن كرامي لم يذهب إلى حد هدم الهيكل فوق رؤوس الجميع، كما يفعل تيار المستقبل اليوم، بعدما خرج قباني عن طوعه، ولأن تيار المستقبل بدأ يخسر أوراقه السياسية».
وأشارت المصادر إلى أن «اللقاء الأخير الذي عقد بين كرامي والمفتي منذ أشهر لم يسهم في كسر الجليد بينهما، لأن كرامي لديه انطباع ورأي في قباني لم يفلح الأخير في تغييرهما».
وإذ لفتت المصادر إلى أن «أهم ما أنتجه مهرجان ذكرى استشهاد الرئيس رشيد كرامي في 1 حزيران الجاري، هو إثبات وجود ثنائية سياسية سنية»، تخوفت من أن تكون «دعوة قباني إلى انتخاب مفت جديد، وما سيحدثه ذلك من انقسام، يمهد لولادة ثنائية سنية أيضاً، ولكن هذه المرة دينية ـــ شرعية».
لكن السؤال الذي يبقى مطروحاً هو: هل دعوة قباني جدّية، في ظل الانقسام الكبير في أوساط الطائفة السنية، وهل يذهب بها حتى النهاية، أم أنه يناور من أجل التمديد لنفسه؟ وهل المجلس الشرعي الممدد له برئاسة النائب السابق عمر مسقاوي، سيلاقي خطوة المفتي قباني بخطوة أخرى، ويدعو بالمقابل إلى انتخاب مفت جديد، فيتم في نهاية المطاف انتخاب مفتيَين، كل منهما يدّعي الشرعية لنفسه؟
هذه الأسئلة وغيرها لا تجد جواباً حتى الآن، وخصوصاً لدى المعنيين بالأمر في طرابلس والشمال، بانتظار اتضاح ملامح المرحلة المقبلة، فيما لفت مصدر معني إلى أن الاستمرار على المنوال نفسه سيدخلنا في صراعات لا تنتهي، وسيتفرج بعضنا على البعض الآخر، كما أن بقية الطوائف ستتفرج علينا».
بالمقابل، أكدت مصادر دينية مقربة من المفتي قباني لـ«الأخبار» أن «قرار توسيع الهيئة الناخبة هو قرار جدي، وأن الباب سيفتح قريباً لتحديد أعضائها، وتحديداً كل من يحمل شهادة شرعية، كما أن الباب سيفتح أيضاً أمام الترشح لمنصب المفتي بعد إعلان أمس».
وأوضحت المصادر أن «قرار تحديد موعد الانتخابات هو إجراء روتيني، وخصوصاً أننا على أعتاب نهاية ولاية المفتي قباني، الذي أكد أنه لن يترشح للمنصب لأن القانون أصلاً لا يسمح له بذلك».
وعن إمكان إيجاد مخرج من هذه الأزمة قبل حلول موعد الانتخابات، تمنّت المصادر «انتهاء هذه الشرذمة على الساحة السنية»، مشيرة إلى أنه «جرت محاولات لذلك، لكن الطرف الآخر كان يجابهنا برفضه التفاوض نهائياً مع المفتي قباني، مفترضاً أنه بعد أشهر قليلة سيغادر الأخير دار الفتوى، وسيدخلها من بعده دخول الفاتحين».