IMLebanon

«طريق دمشق».. يطبّع العلاقة بين جنبلاط والسيد

«طريق دمشق» رواية بوليسية للكاتب الفرنسي الراحل جيرار دوفيليه. اختارها وليد جنبلاط هدية منه إلى جميل السيد. هذه طريقة «البيك» في التودّد وايصال الرسائل.

بعد مشوار من «العداوة» استمر نحو تسع سنوات، صار الكلام المباشر بين الرجلين أمرا مستحبا ومقبولا.

التقى الرجلان وجها لوجه.. وكي يزيد جنبلاط من «حلاوة» المصالحة، وجد بعض الوقت في غمرة انشغاله بلقاء أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد جابر لإجراء اتصال بالسيد ليتباحث معه في التطوّرات الأخيرة.

دوفيليه هو روائي فرنسي تخصّص في أدب الرواية البوليسية. تنقّلت رواياته بين بلدان المعسكر الشرقي خلال ما يسمى «الحرب الباردة» والبلدان التي شهدت صعود الحركات والتيارات الإسلامية المتشددة.

هذا ما حمله الى زيارة بلدان عربية عدة منها سوريا ولبنان والعراق… كان جميل السيد واحدا ممّن التقاهم دوفيليه، وقد ورد اسم اللواء في أكثر من مقطع في كتاب «طريق دمشق» في معرض الحديث عن الحقبة التي كان فيها ضابطا في الجيش اللبناني.

كان دوفيليه يسافر إلى الأماكن التي يرغب في الكتابة عنها للحصول على المعلومة الموثوقة من مصدرها. يلتقي صحافيين وأمنيين ورجال مخابرات. يوثّق كل ما يراه ويسمعه، ثم ينصرف الى الكتابة مستعينا بشخصية بطله «ساس».

نجح دوفيليه مرارا في وضع سيناريوهات افتراضية كانت الوقائع الميدانية تؤكّدها لاحقا، بشكل جزئي أو كليّ. حدث هذا الأمر مع رواية «طريق دمشق»، حيث قدّم وصفا دقيقا لعملية عسكرية تشبه كثيرا تلك التي قامت بها المجموعات السورية المسلحة ضد مقرّ الأمن القومي السوري في دمشق في 18 تموز 2012، والتي أدّت الى مقتل وزير الدفاع آنذاك داوود راجحة وآصف شوكت صهر الرئيس السوري بشار الأسد. لسبب لا يعلمه إلا جنبلاط قرّر الاخير إهداء «خصمه السابق» هذا الكتاب.

قبل أشهر عدّة، يستقبل اللواء السيد في منزله في الجناح صديقه (الاشتراكي السابق) سامي غضبان الذي أبلغه أن جنبلاط سأل عنه واستفسر عن أحواله، ناقلا عنه قوله بالحرف الواحد «وينو جميل أنا بحبو… وما عندي شي ضدو».

كان سبق لزعيم المختارة أن «غَضب» على غضبان، مسؤول بيروت السابق في «الاشتراكي» والذي غالبا ما كان يتردّد الى مديرية الأمن العام إبّان حقبة السيد، وأنزل عليه الحرم السياسي بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ووضعه على لوائح الممنوعين من الاقتراب من المختارة لمجرّد أنه «صديق اللواء». لكن كان على جنبلاط نفسه، بعد تسع سنوات، أن يعيد ترميم الجسور مع المغضوب عليه ويعتمده موفدا لكسر جليد المسافات مع جميل السيد.

بعد ذلك أرسل جنبلاط، عبر غضبان، كتاب «Le Chemin de Damas» (طريق دمشق) الى السيد، بجزءيه الاثنين، مع العلم بأنه سبق للمدير العام للأمن العام السابق اللواء الراحل وفيق جزيني، أن منع توزيع كتاب «لائحة الحريري» «La Liste Hariri» للكاتب نفسه بسبب تضمّنه بعض المقاطع التي كانت تشير بشكل غير مباشر الى تورّط عناصر من «حزب الله» في الاغتيال.

بعد الكتاب، اتصال هاتفي، قبل أن يدرج جنبلاط خصمه السابق على لائحة متلقّي رسائله الالكترونية التي تضم سياسيين وأصدقاء وإعلاميين وتتضمّن إما تعليقات منه على أحداث معينة، أو تقارير غربية وأجنبية استحصل عليها، أو تحليلات وكتابات لكبار الكتّاب والإعلاميين الاجانب…

من الرسائل الالكترونية.. الى اجتماع الرجلين للمرّة الأولى بعد انقطاع امتدّ لأكثر من تسع سنوات تخلّلته جولات من الاتهامات المتبادلة والبيانات العنيفة. ناقشا قضايا كثيرة.. بهدوء. طال الحديث وتشعّب. الماضي والحاضر، وطغت الأزمة السورية وسلاح «حزب الله» والتغييرات في المنطقة على نقاشات الرجلين، بينما لم يغب طيف المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم عن اللقاء.

خرج الرجلان بانطباع مفاده أن مرحلة العداء قد ولّت، أما الخلاف في النظرة الى ملفات حسّاسة، فأساسي وجوهري ومستمر.

المؤكد، بعد لقاء الرجلين اننا لن نسمع السيد يتحدث عن «الديكتاتور الصغير الذي مكانه السجن»، ولا عن «الاقطاعي الفاسد والسادي الذي يظنّ نفسه فوق المحاسبة».

وسيتحاشى جنبلاط التذكير بماضي من «ركّب منذ استلام إميل لحود قيادة الجيش، النظام الأمني الذي بدوره ركّب مصالح سياسية واقتصادية للطبقة الحاكمة الأمنية ـ السياسية، ثم حمى لحود الى أن وصل الى رأس السلطة».

استعادت الذاكرة الجنبلاطية محطات من الصدام المباشر بين زعيم المختارة والرئيس السابق إميل لحود وغازي كنعان، والتي لم تحل دون إبقاء أبواب المديرية مفتوحة دوما بوجه «البيك» كما الرئيس الحريري. والأرجح قد تذكّر عبارة لطالما رددها في ذلك الزمن: «لو لم يكن جميل موجودا.. مع من نتحدث».

واقع الأمس، قاد وليد جنبلاط بعد اغتيال الرئيس الحريري الى تذكير من يهمّه الأمر بأن موقع السيد عند السوريين كان أهمّ من رستم غزالي، وأن اللواء غازي كنعان عندما حاول الاعتراض على مسلكية جميل فشل لأن كانت لديه حماية أقوى من قبل أهل النظام في سوريا.

في مقابل النظرة الجنبلاطية التي كانت ترى في حيثية اللواء السيد ودوره وموقعه جزءا من المؤامرة التي حيكت ضد الداخل إبّان الوجود السوري في لبنان، فإن المدير العام للأمن العام السابق يبدّي العامل الشخصي في خصومته مع جنبلاط على عامل الخلاف السياسي.

فقد انهارت آخر الجسور بعد قول جنبلاط علنا للضباط الأربعة المعتقلين وذويهم عام 2008 «سأجعل أمّهات وزوجات وبنات وأبناء الضباط الأربعة يبكون دماً، سنعلّق لهم المشانق ونثأر منهم حتى ولو أفرجت عنهم المحكمة». كلام بقي عالقا في رأس ووجدان «اللواء».

أتت اللحظة المؤلمة في تشرين الاول 2013 مع وفاة والدة جنبلاط السيدة مي شكيب ارسلان، لتشكّل منصة ردّ قاس. أرسل له برقية تعزية غير مألوفة، أزعجت جنبلاط كما الكثيرون من حلفاء السيد.

في السياسة، يختلف الرجلان على اشياء كثيرة، وإن كان السيد يرى اليوم أن وسطية جنبلاط «قد أراحت البلد»، بمجرد أنه لم يسهم في غلبة فريق على آخر. وحتى عندما انقلب على الرئيس سعد الحريري، فعلها بهدف خلق «بلوك توازن»، وليس «بلوك انقلابيا».