الأمور تسير وفقاً للمتوقّع: مهلة الشهرين استَهلكت المرشّحين الأقطاب. وبعد 25 أيار، القوى الإقليمية والمَحلية ستدخل المفاوضات ليس لاختيار رئيس للجمهورية، بل لإرساء «نيو دوحة» أو «نيو طائف» أو ربّما أكثر.
إذا لم تحصل معجزة، سيغادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا ليل 24 – 25 أيار، من دون تسليم الخلف، تماماً مثلما جاء إلى القصر من دون أن يتسلَّم من السلف. وسيكون موقع الرئاسة في لبنان جزءاً من النزاع الساخن بين المَحاور الإقليمية، خصوصاً المملكة العربية السعودية وإيران.
فما هي الأوراق التي يمتلكها كلٌّ من الفريقين المتصارعين في الداخل، ويمكن أن يلعبها في المرحلة المقبلة؟
أ- 14 آذار: عندما أُسقِطت حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011، خرجت «14 آذار» عملياً من السلطة. فالمجلس النيابي ليس في يدها ولا الحكومة الميقاتية، على رغم إعتدال رئيس مجلس النواب نبيه برّي داخل فريق «8 آذار» ووسطية النائب وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي وسائر المستقلين. لكنّ «14 آذار» بقيَت مطمئنّة إلى الحدّ الأدنى من الدور المتوازن، كان يحرص عليه سليمان في حدود صلاحياته. وفي عبارة أكثر وضوحاً، كان هذا الفريق مطمئنّاً إلى أنّ موقع رئاسة الجمهورية يمنحه الحدّ الأدنى من التعادل مع خصمه.
ومع تأليف حكومة الرئيس تمّام سلام، عادت «14 آذار» في قوّة إلى السلطة، ومن خلال مواقع أساسية: رئاسة الحكومة ووزارت الداخلية والعدل والإتصالات ومواقع أخرى. ولكن، بعد الفراغ الرئاسي، ثمّة مخاوف لدى هذا الفريق من إسقاط الحكومة لتحويلها حكومة تصريف للأعمال. وهذا ما يعيد «14 آذار» إلى موقع الضعف الذي كانت فيه قبل حكومة سلام، ويفتح الباب للخصوم لكي يتحكّموا بالسلطة والخيارات والإستحقاقات في المرحلة الآتية.
وأيّاً يكن الوضع، ستكون «14 آذار» في موقع ردّة الفعل لا في موقع الفعل… إلّا إذا تمكّن حلفاؤها العرب، ولا سيّما منهم السعودية، من تحقيق نقاط في لبنان مقابل إعطائهم نقاطاً لإيران في أماكن أخرى في الشرق الأوسط.
ب- 8 آذار: يبدو أنّ القوى التي بقيَت تتعمَّد تعطيل الجلسات الانتخابية في الشهرين الفائتين، أي «حزب الله» وحلفاؤه، رسمَت خطّة متماسكة للمرحلة التالية. ولذلك، هي في موقع الفعل. وهذه الخطة لا تقتصر على المجيء برئيس للجمهورية، بل تتجاوزه إلى رسم معادلة جديدة للسلطة في لبنان. وفي الحدّ الأدنى، هي تذهب إلى «دوحة» جديدة، أو «طائف» جديد، وفي الأقصى قد تطرح «المؤتمر التأسيسي».
وهذا الأمر سيكون متوافراً إذا عمّت الفوضى السياسية – الدستورية، مع تعطيل إنتخابات الرئاسة والمجلس النيابي وإمكان إسقاط الحكومة السلامية بانسحاب ثلث أعضائها.
ومن هنا المخاوف التي تبديها أوساط عدّة داخل «14 آذار»، من تطوّرات دراماتيكية على الصعيد الأمني تسرِّع إنجاز التسويات على طريقة ما حصل في أيار 2008، أو حتى العودة إلى أسلوب الإغتيالات، على ما يقول الدكتور فارس سعيد.
ويُدرك فريق «8 آذار» أنّه يتفوّق في نقاط القوّة على خصومه، وهو يريد استخدامها وفقاً للحاجة. وبعد «إحراق» النائب ميشال عون، المعروف مسبَقاً، يتّجه هذا الفريق إلى أخذ المبادرة في اختيار رئيس جديد، بناءً على نظرته إلى الدور الذي يمكن أن يضطلع به الرئيس في المرحلة المقبلة.
ويقول بعض المُطّلعين إنّ «حزب الله» سيعمد لاحقاً، هو وحلفاؤه باستثناء عون، إلى طرح الأسماء التي يرتاح إليها، تاركاً لفريق «14 آذار» أن يختار واحداً منها.
وهكذا يضمن أنّ الرئيس الآتي لن يكون معاكساً له ولتوجّهاته الإستراتيجية، من موضوع السلاح إلى الملف السوري وسواهما.
وعلى الأرجح، ستلعب نتائج الإنتخابات العراقية والسورية، والتي تكرِّس أرجحيّةً للمحور الإيراني، دوراً في رسم الصورة التي سترسو عليها التسوية في لبنان.