بصرف النظر عن الطابع الوحشي الذي يلازم العمليات الانتحارية في حصد الأرواح والترويع كما في كل قتل جماعي او اغتيال فردي ، ثمة فارق لا يمكن تجاهله في معركة لبنان مع الإرهاب التي يتوجب على اللبنانيين تجرع كؤوس الصبر الطويل بعد في التكيف مع موجاتها الطويلة . وهو فارق أبرزته العمليتان الارهابيتان الأخيرتان اللتان زجتا بنا على ما يبدو في طلائع المقلب “الداعشي” الاقليمي.
بحذر شديد تمليه حكمة تجنب التسرع في إطلاق الاحكام نقول ان شتات دولة تعاني ازمة الفراغ الرئاسي ومشتقاته بدأت تظهر عبر اجهزتها الامنية والعسكرية تحديدا مراسا اكثر خبرة وتطورا من اي وقت مضى في مواجهة الانتحاريين ولو شابت أساليب المواجهة عشوائيات كتلك التي حصلت الجمعة الماضي . يدلل على التطور الحاصل استشهاد عسكريين وامنيين في كل موقعة بما يثبت الجهوزية الامنية العالية ومن ثم تراجع قدرة الإرهابيين على تنفيذ عمليات كبيرة والاستعاضة عنها بعمليات “محدودة “.
لا يعني ذلك بالتأكيد ان حجم التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية سيكون مخففا . اذ ان عمليتي ضهر البيدر ومستديرة شاتيلا وحدهما رسمتا علامات انزلاق لبنان مجددا الى هذه الدوامة الجهنمية ودفعه تكرارا الى مرحلة نزف إضافية . والمواجهة الجديدة لا تزال في مطالعها تنذر بمزيد بما لا يبقي اي فسحة للنوم على حرير الجهوزية الامنية والاستخباراتية وحدها . يثير هذا التطور فورا مسؤولية المستوى السياسي في المواجهة وهو حتى الساعة في مرتبة قد تكون مخيفة فعلا . لن تنفع مع الاستعادة المنهجية للاستهدافات الارهابية اي تطمينات حكومية اذا سقطت في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء تسوية ملتبسة دستوريا “وشغل إيد ” مرتجلة ، امكن التوصل اليها بشق النفس للافراج عن آلية عمل مجلس الوزراء المعطل . ولن تكفي التدابير القصوى للاستنفارات الامنية والعسكرية لصد هجمات إضافية لو مضى المترفون في رتابة علك الوقت وقتله وتعطيل الانتخابات الرئاسية كأنهم يعيشون في افلاك وعوالم خاصة بهواة الهروب من الواقع . لقد اثبتت ازمة الفراغ الرئاسي حتى الآن الحجم غير المحسوب لدى كثيرين لفداحة مواجهة مصيرية بلا رأس ولا يقنعننا احد بان الانهيارات المتعاقبة لم تكن الا نتيجة بديهية لهذا الفراغ . ما كان الرئيس المنتخب ليوقف الإرهاب لكنه حتما كان ليقيم العنوان الرادع بان في لبنان دولة وقت تتهاوى حدود دول في المحيط منذرة بالتفتيت والتقسيم وحمامات الدماء المذهبية .
ولن يوقف مشهد مجلس النواب وهو ينتخب رئيساً تسلل الانتحاريين لكنه سيعلن المناعة القصوى على إلحاق لبنان بجحيم المنطقة .
لعلنا نبالغ حتما ان ذهب رهاننا في هذه المعركة الى مطلب صغير : كفوا عن ارهاقنا بمواهبكم الكلامية الفارغة الكاذبة عند كل جولة تسيل فيها الدماء .