مع ان المفاجأة السارة التي أعادت خمسة اسرى عسكريين الى عائلاتهم احدثت انفراجا نسبيا في قضية الاسرى واحيت الآمال في استكمال المساعي والوساطات للافراج عن الاسرى الـ23 الآخرين المحتجزين لدى تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” فان ذلك لم يحجب تصاعد مشهد داخلي محفوف باخطار وتوترات غير مسبوقة منذ الحرب اللبنانية. ذلك ان عاصفة الاسرى هبت بكل تداعياتها الامنية والمناطقية والسياسية والاسوأ المذهبية والطائفية في الشارع وكادت تؤدي الى مضاعفات لا تحمد عقباها وسط تداخل الانفعالات المتصاعدة في صفوف أهالي الاسرى الذين بدوا ضحايا الترهيب الاعلامي الذي تمارسه الجهات الخاطفة من جهة والتفاعلات الحادة وبعض الممارسات العشوائية ذات الطابع الطائفي والمذهبي التي حصلت كمثل توزيع صورة احراق راية لداعش في الاشرفية سرعان ما كادت تتسبب بردة فعل نزقة برسم الراية نفسها على كنيستين في طرابلس.
هذا المشهد الشديد الانفعال الذي ساد البلاد في اليومين الاخيرين رسم طلائع مرحلة بالغة الدقة والخطورة، خصوصا ان مسار التطورات في قضية الاسرى لم يعد معزولا لا عن التطورات الميدانية في القلمون السورية ولا عن التفاعلات الداخلية، بدليل ان “جبهة النصرة” التي أطلقت الاسرى الخمسة سارعت الى التهديد بتصفية الاسرى “الشيعة” اذا شارك “حزب الله” في معركة “تحرير قرى القلمون” كما اشترطت لاطلاق أسيرين “مسيحيين” لديها تبرؤ أهالي الاسيرين من احراق “راية المسلمين” وادانة موقف نواب في “تكتل التغيير والاصلاح” دافعوا عن الشباب الذين أحرقوها. وربطا بالبيانات الترهيبية التي تصدرها “داعش” ايضا، فان المخاوف تنامت من اثارة الخطاب المذهبي والطائفي الذي يعتمده التنظيمان بما يعني ان قضية الاسرى تتخذ منطلقا لاثارة فتنة في البلاد يساعد اشعالها الجهات الارهابية على استهداف الساحة اللبنانية واستباحتها اسوة بمشاغلتها الجيش في جبهة عرسال بقصد اضعافه.
لكن مصادر اسلامية قريبة من العاملين على الوساطة مع الخاطفين ولا سيما منهم الشيخ العرسالي مصطفى الحجيري الذي تسلم الاسرى الخمسة، حرصت ليل امس على اشاعة اجواء ايجابية عن امكان التوصل الى اتفاق يفضي الى الافراج عن مزيد من الاسرى في الساعات المقبلة. وترددت معلومات غير مؤكدة لاحقا عن درس الجهات اللبنانية ملفات موقوفين اسلاميين لمبادلتهم بأسرى عسكريين.
وعلمت “النهار” ان الاجتماع الامني الذي رأسه امس رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، تخلله نقاش في العمق اندرج تحت سؤال “من يلعب بالبلد؟”. ففي المناقشات كانت هناك دعوة صريحة الى وضع المعطيات الامنية الحقيقية على طاولة البحث إنطلاقا من ضرورة توحيد جهود الاجهزة الامنية. ولفتت المناقشات الى ان ثمة عملا مخابراتيا يسعى الى جرّ لبنان الى فتنة شيعية – سنيّة والى فتنة مسيحية – سنيّة من خلال ممارسات كمثل بث شريط عن إحراق أعلام “داعش” في الاشرفية مع أن تاريخ تسجيل الشريط يعود الى أسابيع خلت وما تلا ذلك من ممارسات مماثلة في طرابلس. وطرحت تساؤلات عن مصير الشائعات التي تحدثت عن حشود تقدر بثمانية آلاف من عناصر “داعش” على حدود لبنان وهي شائعات مسرّبة من أجهزة خاصة؟ كما طرحت تساؤلات عن هدف تسليم العسكريين الخمسة الى ذويهم بدل تسليمهم إلى الجيش؟ ومن يقود مفاوضات إطلاق الاسرى والتدابير المتخذة لمواجهة تطورات عرسال؟ وكيف دخلت احدى الدول على خط المفاوضات بعدما كانت ممتنعة عن القيام بدور الوساطة؟ وما هو السر وراء الانفراج المفاجئ في موضوع الاسرى وهل يستمر أم لا؟ ومن الخلاصات التي أنتهى اليها البحث، أن هناك يدا مخابراتية واحدة تدير هذه الاحداث وتهدف الى إثارة الفتنة والى تحويل الانظار بإستمرار عن إستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وأبدى الرئيس سلام في بداية الاجتماع إرتياحه الى الإفراج عن خمسة من العسكريين اللبنانيين المحتجزين، آملا في أن تفلح الجهود المبذولة في تحرير جميع المفقودين. وأكد أن اللجنة الوزارية الخاصة بمتابعة هذا الملف ماضية في عملها بدأب وصبر، وبعيدا من الأضواء، لإنهاء هذه المأساة الوطنية في أسرع وقت ممكن.
واستمع المجتمعون إلى عرض من القادة الأمنيين للأوضاع الأمنية في جميع المناطق اللبنانية، وخصوصا في منطقة عرسال، التي لا يزال المسلحون غير اللبنانيين المنتشرون في الجرود يشكلون مصدر تهديد لها.
وجرى في الاجتماع نقاش مسهب لجميع المعطيات الأمنية والاجراءات الواجب اتخاذها لتحصين الاستقرار. واتخذت القرارات المناسبة.
في غضون ذلك كشفت مصادر معنية بالوضع الامني لـ”النهار” ان جهات أمنية رصدت منذ منتصف حزيران الماضي تدفق عدد كبير من اللبنانيين واللاجئين السوريين الى العراق وسوريا للالتحاق بتنظيم “داعش” وقد عاد بعض ممن غادروا الاراضي اللبنانية الى لبنان بعد تلقيهم تدريبات لتنظيم خلايا نائمة. كما أعطيت توجيهات لآخرين رغبوا في الانتقال الى العراق والرقة في سوريا للبقاء في لبنان. وقدرت هذه الجهات عدد عناصر الخلايا الموجودة داخل لبنان بنحو ثلاثة آلاف بين لبنانيين وسوريين إذ يتوارى العديد من السوريين داخل بلدات لبنانية وورش بناء بذريعة العمل لابعاد الشبهات عنهم.
سيدة الجبل…
وسط هذا المشهد برزت امس على الصعيد السياسي خلوة “لقاء سيدة الجبل” وتوصياتها التي تميزت بمضمونها وتطلعاتها الى حلول مختلفة لمشكلات لبنان وشعوب الشرق على خمسة قواعد رئيسية هي: “لا تمييز بين ارهاب وارهاب، وحماية المسيحيين لا تكون من خلال تحالف الاقليات، وليس هناك حل مسيحي خاص لمشاكل المسيحيين بل حل شامل لكل مشاكل المنطقة، وتعميم التجربة اللبنانية في العيش معا”.
ولعل نجم الخلوة كان الرئيس فؤاد السنيورة الذي أعلن في كلمة مسهبة له في الخلوة صوت الاعتدال الاسلامي مجسدا ذلك بقوله “انتم المجتمعون هنا (في الاشرفية) أقرب الي من الذي يرفع راية ولاية الفقيه في طهران او راية الخليفة الحاكم في الموصل والرقة”. كما قال: “نحن لا نؤمن برئيس ينحاز الى المحاور الاقليمية ونريد رئيسا يجمع صفوف اللبنانيين ويجنبهم الويلات والشرور”.
…وبري
وليس بعيدا من منحى تغليب الاعتدال، اتسمت الكلمة التي القاها رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء في الذكرى الـ 36 لتغييب الامام موسى الصدر بالدعوة الى مواجهة التهديدات التي “تطرق أبواب لبنان بتوحيد الصفوف ووضع حد لكل صراع وشقاق”. وركز بري على اتمام الانتخابات الرئاسية قائلا “آن الاوان لضخ الحياة في مشروع الدولة والعبور فعليا الى الدولة”، مشددا على تنفيذ اتفاق الطائف “كاملا بشقيه الدستوري والاصلاحي”.