IMLebanon

عدو «حزب الله» الذي لا ينضب

«حزب الله» وكيل إيران في لبنان، هو في ذلك شقيق للنظام السوري، الوكيل العلماني للثورة الخمينية في دمشق، والشقيقان لا يشبهان بعضهما في الوكالة الإيرانية وحسب، بل هما كذلك، وعلى رغم اختلاف السياق وطبيعة النظام السياسي، كيانان يسعيان الى البقاء على رأس السلطة، كل في بلده.

في هذا توسل الحزب اللبناني منهجاً مختلفاً عن شقيقه السوري، لاختلافات في السياق وطبيعة النظام السياسي. ذاك أن النظام الطوائفي في لبنان كان يعني أن يحتاج الحزب أولاً إلى تفوق على الأحزاب والقوى التي يفترض بها تمثيل الطوائف الأخرى، فتحقق للحزب ذلك منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي باحتكاره سلاحاً وقوة عسكرية فاقت بمراحل حتى ما تملكه الدولة اللبنانية. كانت أمام الحزب مهمة أخرى أهم، تتمثل في ضمان ولاء مستمر له من جمهور طائفته حتى لا تتكرر تجارب ميليشيوية لبنانية أخرى.

ذاك أنه بعد 1983، عاش لبنان تجربة الكانتونات التي أنشأتها قوى متحاربة أو متحالفة في الحرب الأهلية. ولكن بعد استقرار كل كانتون على حدوده واقتصاده المافيوي وانتهاء المعارك والمواجهات مع قوى الكانتونات الأخرى، بدأت الشرعية الميليشيوية تتآكل داخل الكانتونات في غياب أي تهديد جدي من الآخر، فلم يعد العدو الخارجي مجدياً، ولم يعد المبدأ البسيط «نحن سنحميك من الآخر الساعي الى قتلك» قابلاً للتطبيق، فمارست هذه الميليشيات عنفاً داخلياً موجهاً نحو من تُدّعى حمايتهم.

لتجنب هذه المشكلة، ستسعى «دولة حزب الله» إلى اختلاق عدو دائم، لا يفنى ولا ينضب، لكنه لن يكون أبداً العدو الإسرائيلي على ما حاولت تصويره الماكينة الإعلامية لمحور الممانعة على مدى سنوات، بل سيبقى العدو الدائم، كما في أي نظام طائفي، متمثلاً بالآخر الطائفي، لا بالآخر الإسرائيلي حتى لو كان الأخير ينتهج سياسات كولونيالية وتوسعية. وكان الربط ضرورياً بين إسرائيل ورموز السنية السياسية في لبنان أو في الخليج لتحقيق أعلى درجات الالتفاف حول الحزب لدى جمهوره، كي تكون المعركة في مواجهة الآخر الطائفي، قبل أن تكون في مواجهة «العدو» الإسرائيلي. الالتفاف الصلب في الحالة الأولى سيكون بديهية غير قابلة للنقاش، والتململ متاح في الحالة الثانية، وبخاصة مع مقدار الدمار الذي كان يلحق بالجنوب اللبناني أو بضاحية بيروت الجنوبية. كان يتم تجنب هذا التململ في سنوات المواجهة مع إسرائيل عبر ربط تل أبيب بتيار المستقبل تارة وبالسلفية الجهادية تارة أخرى أو بالقاعدة أو بما كان يعرف بمحور الاعتدال العربي.

في حالة الثورة السورية، ولتبرير انخراطه في قتالها أمام جمهوره، يستحضر الأمين العام للحزب حسن نصر الله وماكينته الإعلامية خطاب «الحركات التكفيرية» و «حماية المراقد»، وهو خطاب أو تبرير يبدو فاعلاً بعد نحو خمسة عشر شهراً على تحول مشاركة الحزب في الحرب الدائرة في سورية إلى العلن، من دون أدنى تململ من جمهور الحزب الإلهي في مواجهة سيل جثامين المقاتلين المتدفقة من القلمون وحلب وريف دمشق وغيرها. دع جانباً النقاش حول خيار الانتصار للنظام السوري، الذي يعرفه اللبنانيون جيداً، في مواجهة شعبه المنتفض عليه.

أما في ما خص أخبار المشاركة في القتال في العراق، فالمؤكد أن نصر الله في غير مرة أتى على ذكر ما وصفه بالاضطهاد والاعتداءات على الشيعة في العراق وفي باكستان. فهل سيكون من المستغرب أن نرى يوماً جثامين لمقاتلين من «حزب الله» قضوا في بيشاور بعدما ذهبوا للقتال في كراتشي «حماية لأحد المراقد» هناك؟ من يعلم؟

* صحافي سوري