IMLebanon

عراقياً هل تحلم تركيا أم تتوهَّم؟

الشخصية العراقية نفسها المتابعة أوضاع بلادها من داخل ومن خارج تقول إن معلوماتها ومعطياتها التي نشرها “الموقف هذا النهار”، قبل أيام، ليست نهائية، وخصوصاً في ما يتعلق بوحدة دولة العراق. ذلك ان المزيد الذي تمتلكه منها يفيد أن الفشل في إقناع نوري المالكي، رئيس الوزراء، بالتخلي عن “ولاية” حكومية ثالثة، خلال ستة أشهر، سيفتح الباب أمام التقسيم، بل أمام تغييرات جغرافية جدّية، تصيب محيطه إنطلاقاً منه. أما مصدر هذه المعلومات الإضافية، فهو جهة تركية دينية إلى حد ما، بقيت مع اتاتورك مؤسس العلمانية، واستمرت مع اردوغان بعد وصول حزبه، بعد وصول إسلاميي “حزب العدالة والتنمية” إلى الحكم. وذلك أمر يشير، في رأي قادة الحزب المذكور، إلى صحة الوصف الذي يطلقونه عليه وهو “الحزب المحافظ”. لكنه يؤكِّد في رأي كثيرين من المؤيدين له كما من المعارضين، أن الأتراك هم أتراك أولاً، وصفاتهم الأخرى تأتي بعد هذا الانتماء.

عن ماذا تتحدث المعلومات الجديدة المشار إليها؟

تتحدث، ودائماً استناداً إلى الشخصية الشيعية العراقية المتابعة نفسها، عن حلم تركي قديم، قد يسمح تحقيقه بتفجير العراق، أو بالأحرى انقسامه، وتحديداً تقسيمه بتحقيقه، أو بالأحرى بالسعي الجاد إلى تحقيقه. وهو يقضي باستعادة مدينة الموصل العربية العراقية الغنية بالنفظ، ومعها مدينة كركوك الكردية العراقية أيضاً، وربما بوضع اليد أيضاً على كردستان العراق. وينطلق الحلم المجدَّد والمستعاد، أو ربما قسم منه، إضافة إلى الوضع العراقي المأسوي الراهن، من اتفاق تمّ أو بات قريباً من الإنجاز، بين حكومة رجب طيب أردوغان وزعيم الحزب العمالي الكردستاني الانفصالي المسجون عبد الله أوجلان. ومن ابرز بنود الاتفاق، إقامة نوع من الفيديرالية، بين أتراك تركيا وأكرادها، أو إعطاء هؤلاء الأكراد نوعاً من الحكم الذاتي. ويعرف العالم أن أردوغان بدأ منذ مدة حوارات غير مباشرة مع أوجلان أظهرت الخطوات الاجرائية التركية خلال الأشهر الماضي نجاحها، وكذلك موافقة مجلس النواب التركي أخيراً على سلسلة من القضايا التي تسهِّل قيام علاقة عادية بين الأكراد والأتراك ودولتهم. وفي حال وصل الصراع التركي – الكردي في تركياً الى نهايته، فإن لا شيء يمنع أردوغان من الطموح إلى ضم كردستان العراق إلى الفيديرالية بموافقة قادتها وفي مقدمهم مسعود البرازاني، وخصوصاً إذا وجد أن دولة مستقلة لهم في العراق مستحيلة عربياً وإيرانياً، وأن استمرار الحكم الذاتي الذي يمارسونه، قد تهدده التطوّرات المقبلة في ضوء مداخلات “العرب والعجم”، والدول الكبرى والعظمى التي لا تهتم إلا بمصالحها ولو متناقضة. ويبدو، استناداً إلى الشخصية العراقية المتابعة إياها، أن تركيا أردوغان قد تستعمل، لتحقيق حلمها “الطموح” هذا، اتفاقاً كانت وقعته لكن قبل عقود سابقة كثيرة، مع بريطانيا يفيد أنها تعتبر الموصل مدينة تركية. لكنها لن تطالب بها، طالما استمرت جزءاً من دولة العراق الواحدة. أما إذا تفككت هذه الدولة، أو إذا تقسّمت، فيكون من حقها استعادة هذه المدينة، أو على الأقل المطالبة باستعادتها. وتعتقد تركيا ان نجاحها في ذلك ليس مستحيلاً، لأن أميركا في أضعف أيامها، ولأن السعودية وقطر، كما العالم العربي كله، في غير موقع الفعل بل رد الفعل، وفي موقع التعرض إلى تحديات جسيمة وخطيرة، سواء من داخل دوله أو من خارجها.

هل الحلم التركي المفصّل أعلاه، واقعي وقابل للتنفيذ، أو مجرد وهم لا بد أن يتبدّد مع الوقت؟ الحلم هو من حق الجميع، دولاً وجماعات وأفراداً. لكن ترجمته واقعاً ملموسماً قد لا تكون متيسرة، رغم ان التطورات الاقليمية والدولية قد تشجع على التمسك به، والاقتناع بعدم استحالة تحقيقة. هذا من حيث المبدأ. أما من حيث الواقع، فالصعوبات أمامه كثيرة. فمن جهة تركيا دولة قوية عسكرياً ومزدهرة اقتصادياً. لكنها عضو في حلف شمال الاطلسي، وهو سبب قوتها العسكرية. فهل يقبل هذا الحلف قراراً منفرداً تركياً ذا مضاعفات عسكرية، بإحداث تغيير جغرافي ذي أهمية كبيرة، إذا لم تكن له، وتحديداً لأميركا، مصلحة أكيدة فيه؟ ومن يضمن ان تقبل روسيا والصين ذلك، ومعهما إيران؟ ومن يؤكد أن مسعود البرازاني واستطراداً أكراد العراق يوافقون؟ ومن يضمن أن يقبل الاتراك “الأصليون” رغم انقساماتهم السياسية والمذهبية ذلك؟ ومن يضمن أخيراً أن يقبل شيعة العراق العرب أن يصبحوا دولة مستقلة ولكن تحت نفوذ إيران؟