في ظل إعادة طرح موضوع إجراء الانتخابات النيابية، قبل إتمام النواب لواجباتهم تجاه الاستحقاق الرئاسي، وتكبر الهواجس لدى قوى 14 آذار التي قدمت منذ ما قبل نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، كل ما يحول دون إطالة أمد هذا الشغور، سواء ترشيحاً أو حضور جلسات الانتخاب المتتالية أو تقديم مبادرات من شأنها أن تؤدي الى قواسم مشتركة مع قوى 8 آذار حول هذا الاستحقاق. لكن سرعان ما ازدادت مساحة الافتراق مع إستمرار تمنع قوى 8 آذار عن حضور جلسات الانتخاب، ما يعني محاولة تكريس الشغور الرئاسي كأمر واقع لا بد من التعامل معه، وبالتالي القفز فوقه لإتمام استحقاقات دستورية أخرى.
طروحات تعزز علامات الاستفهام لدى 14 آذار حول كيفية معالجة الاستحقاق الرئاسي من قبل الفريق الآخر، ومغزى البحث في إجراء الانتخابات النيابية في هذا التوقيت، في ظل اتفاق «الحد الأدنى» الذي يسيّر العمل الحكومي والغليان الذي تعيشه المنطقة وتلفح حرارته لبنان.
الاختلاف في الاولويات واضح بين 14 و8 آذار حول أي استحقاق يجب أن يتم أولاً، الانتخابات الرئاسية أو النيابية في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد. فبالنسبة لعضو كتلة المستقبل النائب غازي يوسف «الأولوية هي لإجراء انتخابات رئاسية»، معتبراً «أن ما يحصل اليوم من طروحات هو مضيعة للوقت، لأن الوضع الأمني في البلاد لا يحتمل إجراء انتخابات نيابية تحت أي قانون كان، وبالتالي هي دعوة للتقاتل الطائفي والمذهبي وأقرب إلى حفلة جنون».
يوافق عضو كتلة القوات اللبنانية جوزيف معلوف على كلام يوسف، ويشدّد «على التمسك بحصول الانتخابات الرئاسية قبل النيابية، لأن الفراغ الرئاسي مرفوض ولا يمكن أن يتحمله البلد أو الاستمرار فيه، وقرار قوى 14 آذار واضح في هذا المجال في الوقت الذي تستمر قوى 8 آذار بالتعطيل»، ويضيف: «لذلك نأمل أن يعودوا إلى رشدهم وأخذ طروحاتنا في الاعتبار، أي أن تتم تسمية مرشحين للرئاسة من الفريقين وتحصل جلسات متتالية حتى انتخاب رئيس جديد، حتى ولو كان من خارج التسميات التي تم ترشيحها عندها يكون ذلك خطوة لتحصين الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد».
يبدي عضو اللقاء الديمقراطي النائب فؤاد السعد أسفه، من عدم تسيير الاستحقاقات الدستورية بحسب الأصول الدستورية والقوانين، ويعتبر «أن كل شيء بات مباحاً وباتت الضرورات تبيح المحظورات»، لكنه يرى «أن من الأفضل في الوضع الحالي إجراء الانتخابات الرئاسية قبل النيابية، لأن التركيبة الدستورية تقتضي وجوب انتخاب رئيس يقوم بواجباته ويساهم في معالجة الوضع المتردي». يضيف: «من حيث المبدأ لست مؤيداً لإجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية، وأعتبر أن وجود رئيس للجمهورية يساهم في إعادة المؤسسات الفاعلة والناشطة التي يحتاجها لبنان، خصوصاً أن الوضع الأمني في البلد على كف عفريت مما يوجب الحذر وعدم المجازفة في إجراء انتخابات نيابية».
يستمر نواب حزب الله في عدم التعليق على أي تطور داخلي يحصل في البلاد، بناء لقرار مركزي بذلك كما يشرح عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض، في حين يفسر عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب حكمت ديب، «الحكمة» من طرح إجراء الانتخابات النيابية قبل ملء الشغور الرئاسي بالقول: «في الدول الديمقراطية الراقية عندما تحصل أزمات داخلية كما هو حاصل في لبنان، يتم اللجوء الى حل المجلس النيابي والاحتكام الى الشعب، أما في الدستور اللبناني الذي يتضمّن شروطاً معقدة لحل المجلس النيابي ويتطلب إجماعاً من كل الأطراف، فإن طرح إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية هو بالمفهوم الديمقراطي إعادة خلط الأوراق للخروج من الأزمة».
يوافق عضو كتلة التحرير والتنمية النائب ميشال موسى على «أنه ليس هناك من مانع لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية على السواء، فالاستحقاقان لا يتعارضان مع بعضهما البعض»، ويضيف: «هناك تطورات داهمة على صعيد المنطقة والوضع الداخلي الأمني والاجتماعي، ولا يمكن التعاطي معهما إلا من خلال المؤسسات وليس بالفراغ، وبالتالي يجب انتخاب رئيس للجمهورية أولاً وعدم الاستمرار في الشغور، وسن قانون للانتخابات النيابية يسمح بإجراء انتخابات، أما قرار إجرائها أو عدمه فيأتي بعد أن تضع السلطة الإجرائية والأمنية المعطيات أمام مجلس النواب الذي يمكنه عندها إتخاذ القرار المناسب، خصوصاً انه يضم جميع الأطراف وليس طرفاً واحداً».
يشكّك يوسف في طرح إجراء الانتخابات النيابية في هذا التوقيت الذي يمر به لبنان، فبرأيه «التوقيت هو محاولة من العماد عون لمحاربة طواحين الهواء على غرار الحروب التي خاضها سابقاً، ولا يمكن له أن يربحها، فقد خسر اليوم معركة الرئاسة وارتأى فتح معركة تعديل الدستور والنظام الرئاسي، وهذا أمر لا يمكن أن يتحقق لا من حين التوقيت الزمني، ولا من حيث المسار الدستوري والقانوني لإنتظام عمل المؤسسات في لبنان، إذ لا يمكن إجراء انتخابات نيابية في ظل غياب رئيس للجمهورية».
من جهته يقدم ديب رؤيته التي تدعم إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية في الظروف الحالية، فيقول: «من الناحية الأمنية يمكن إجراء انتخابات إذا كان هناك قرار سياسي بذلك وهناك شواهد على ذلك، أما لجهة ملء الشغور الرئاسي، فالتأكيد نحن معه بأسرع وقت ممكن، لكننا نتمهل في ذلك لأن كثيراً من اللبنانيين لسعوا من نار رئيس للجمهورية لا يتمتع بصفة تمثيلية وصفة سياسية، تساهم في علاج الاستحقاقات في لبنان، وبالتالي لا يمكن التسويق لشخصية لا تتمتع بهذه المعايير لأن الناس ستلومنا، ولذلك من الافضل الانتظار لبضع أسابيع أو أشهر على أن نخسر الموقع الحساس».
يتفهم معلوف هواجس القائلين بأن الفراغات المتتالية في الرئاسة الأولى، ثم المجلس النيابي تؤدي بالبلاد إلى ما لا تحمد عقباه، ويقول: «نحن نرفض التمديد للمجلس النيابي، ولكن إجراء الانتخابات الرئاسية يضع البلاد في إطارها السليم في البلاد، قد يكون صحيحاً القول إن القوى الأمنية يمكن أن تؤمن إجراء انتخابات نيابية إذا تم اتخاذ قرار سياسي بذلك، لكن الأجدى هو اتخاذ قرار بوضع حد للشغور وإعادة الانتظام لعمل المؤسسات، ومعالجة ما تعيشه البلاد من موجات تطرف بسحب الذرائع التي تسمح لهذه الموجات بدخول لبنان، أي عدم تدخل حزب الله بما يجري في المنطقة».