المخطوفون في أنفاق «خربة يونين».. تكليف رسمي لإبراهيم «بالصورة»
عرسال الأسيرة: نزوح ومداهمات ولوائح بمطلوبين!
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والتسعين على التوالي.
لبنان يغرق يوما بعد يوم في المزيد من الوحل السياسي والأمني.
تتضاعف الأخطار على بلد يفتقد القامات الوطنية، من يُقَدِّم العام على الخاص، ومن يضع أولوية حماية الناس على أية أولوية أخرى. لكن الحقيقة أن هوس السلطة والمنافع والحسابات الشخصية تتقدم على أي اعتبار آخر، والأدلة كثيرة في السياسة والاقتصاد والأمن والاجتماع وكل اليوميات اللبنانية.
أكثر من ثلاثين عسكريًّا لبنانيًّا ينتظرون صحوة وطنية لبنانية تعيدهم إلى رفاقهم وأهلهم وبلدهم، لكن الحسابات الضيقة لدى بعض الداخل والخارج، تزيد من مرارتهم ومرارة عائلاتهم الباحثة عمن يعطيها الخبر اليقين، فلا يأتيها إلا الكلام المتلعثم.
ومن عرسال مجددا، يستمر الجرح مفتوحا. تصرخ البلدة بأعلى صوتها منادية دولتها أن تأتيها، ومؤسساتها العسكرية والأمنية أن تحميها، فلا تجد أحدا، لكأنها «صارت جزءا من دولة الخلافة» كما يردد أمير «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي!
الوقائع من عرسال كثيرة:
÷ أكثر من 100 عائلة غادرت البلدة حتى الأمس، وستشهد الأيام المقبلة، نزوحا أكبر ربطا بموسم المدارس ومخاوف الأهالي على مستقبل أولادهم..
÷ عدد من أبناء عرسال يغادرونها نهائيا أو يكتفون بتمضية النهار فيها، بعد تلقيهم تهديدات مفادها أن ثمة لائحة أعدتها «النصرة» و«داعش» وتقضي بتصفية كل مشتبه بتعاونه مع الجيش ومخابراته.
÷ تحصل مداهمات يومية من قبل المسلحين لمنازل في عرسال، وذلك بعناوين مختلفة، حتى أن أحد الشبان تعرض للجلد لأنه «تعرض للذات الإلهية»، وعندما سأل البعض عن مصدر الأحكام، جاءه الجواب «المحكمة الشرعية»!
÷ البلدة التي يبلغ إنتاجها من المقالع والكسارات حوالي مليون دولار يوميا، صارت أكثر من 50 في المئة من مصالحها مقفلة بالكامل.. وأحيانا يطلب المسلحون من أصحاب المشاغل إقفالها بصورة مفاجئة كما حصل في اليومين الماضيين.
÷ المسلحون يتنقلون بين عرسال وجرودها بصورة طبيعية جدا، لا بل أعادوا تموضع عدد من «الخلايا النائمة» في عرسال، ومن المصادفات أن تعمد دوريات رسمية لبنانية الى غض النظر عن حركة المسلحين عند بعض المعابر.
÷ حاول نازحون سوريون، أمس، بناء مخيم جديد بعدما استأجروا أرضاً من أحد أبناء عرسال، فكان أن هبّ جيرانه ومنعوه من تأجيرها لهم ومن بناء المخيم.
÷ تزداد يوما بعد يوم أعداد المسلحين في المنطقة الجردية المحيطة بعرسال أو القريبة منها.
هذه بعض الوقائع وليس كلها برسم دولة تتعاطى مع بلدة لبنانية تضم أكثر من 35 ألف نسمة وكأنها منطقة مسلوخة من لبنان، بينما لسان حال الأهالي أن لا بديل من القوى العسكرية والأمنية حتى تستمر الناس في أرضها.
وعلى مسافة كيلومترات قليلة من عرسال، يمضي العسكريون اللبنانيون الأسرى يومياتهم في نفقَين عسكريَّين معروفَين باسم «أنفاق خربة يونين» أو «أنفاق وادي الجبل»، وهما من مخلفات «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» في العام 1982، ويبلغ عمق كل واحد منهما ما يزيد على مئة متر، وأحدهما يتشعب يمينا ويسارا بينما يتخذ الآخر شكل حرف (L ) بالفرنسية.
وقد أمكن تحديد مكان وجود العسكريين عبر برنامج متطور لتعقب الاتصالات، غير أن المعضلة التي تواجه أية محاولة للوصول إلى الأنفاق هي الافتقار إلى الطيران المروحي الهجومي المزوَّد بأنواع معينة من الصواريخ، فضلا عن عوامل جغرافية ولوجستية تجعل محاولة الوصول إليهم نوعا من المخاطرة الكبرى.
في هذه الأثناء، شكّلت الصورة التي جمعت، مساء أمس، وزير الداخلية نهاد المشنوق ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم ولجنة أهالي العسكريين المفقودين، في وزارة الداخلية، أول إعلان رسمي عن تكليف ابراهيم بالمهمة التي كان قد دشنها باجتماعه منذ أيام بمدير المخابرات القطرية في العاصمة التركية، على أن يشكل اللقاء الثاني بينهما مناسبة لوضع آلية محددة للتفاوض والمطالب، وذلك على قاعدة السقف الذي حدده رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية برفض أية مقايضة بين العسكريين وبين أي موقوف في روميه.
وأبلغ المشنوق الأهالي أن أولادهم هم أولاد الدولة أولا وبالتالي سلامتهم من سلامة الدولة وكرامتهم من كرامة كل مسؤول أو مواطن إلى أي طائفة أو مذهب أو حزب انتمى، وتعهّد بأن «أمر إعادتهم سالمين واجب والتزام ومسؤولية وطنية جامعة لا مكان فيها للتهاون أو التلكؤ أو الانكفاء، كما أنه لم يكن ولن يكون موضع مساومة أو تفريط»، وتمنى على الأهالي الصبر لأن المسألة تحتاج إلى وقت طويل.
وكان لافتا للانتباه أن الخاطفين يحاولون عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي استثمار عملية خطف العسكريين للتحريض على «حزب الله»، وذلك عبر الربط بين حريتهم وبين انسحاب الحزب من سوريا.
وفي هذا السياق، تلقت عائلة الدركي بيار جعجع، مساء أمس، اتصالا هاتفيا منه عبر هاتف أمنته «جبهة النصرة»، وطالب فيه أهالي بلدته والقرى المسيحية المجاورة بالنزول إلى الشارع للضغط على الحكومة للسعي للإفراج عن العسكريين، و«على حزب الله للانسحاب من سوريا». وقال: «حياتنا في خطر في حال حاول البعض تحريرنا بالقوة لأنه في ذلك يحكم علينا بالقتل».