IMLebanon

«عرسال 2»: جهوزية أكبر ومواجهة بغطاء مسبق

الأمن الذاتي على الحدود.. وصفة مطلوبة

«عرسال 2»: جهوزية أكبر ومواجهة بغطاء مسبق

 

بين إلباس التهمة للسعوديين والفرنسيين، مناصفة، بعرقلة «تسييل» هبة المليارات الثلاثة أسلحة وعتادا وآليات عسكرية تُخرِج الجيش والبلد برمّته من فم التنين، وغياب سعد الحريري، وفقدان الاتصال مع «ملياره»، بات بإمكان جزء كبير من اللبنانيين في ظل هذا الوفر الهائل من الغموض والقلق اللذين يحيطان بمصير معركة «الوجود والمصير» مع المجموعات الارهابية، أن يتأكّدوا أقلّه من حقيقة واحدة ساطعة لا تقبل التشكيك:

هذا الحديث عن النخوة التي دبّت فجأة في العروق لتسليح الجيش «فورا»، والآن، بما يمكّنه من ملاحقة فلول الإرهابيين، تمهيدا لسحقهم وإبادتهم، كما خيّل الينا، ليس حتى الآن سوى كلام.

تبدو المعادلة بالغة البساطة: ولماذا يسلّح جيش لا دولة فوق رأسه؟ الشحنة الأولى من السلاح الاميركي الذي وصل الى مطار بيروت قبل فترة، والشحنات السابقة واللاحقة لها، تبدو كنقطة الماء التي تبلّ ريق تائه في الصحراء منذ سنوات!

ومع إزاحة نكتة «التسليح والفوري والآن» للجيش من الدرب، تصبح الصورة أكثر إيلاما وواقعية. عمليا، لا شيء يُمكن أن يبعِد غيوم الرايات السود التي اجتاحت أفقه سوى وجود قرار إقليمي دولي يرأف بالساحة اللبنانية الداخلية، ويبقيها تحت السيطرة رغم تغلغل السمّ الارهابي في عروقها. والأمر الثاني هو المراهنة على صحوة حكومية تعيد ترتيب الأولويات، وعلى رأسها منع اللبنانيين من الانتحار، قبل أن تأتيهم «داعش» بالسيوف!

بالموجود، وفي ظل حكومة مرتبكة ومتردّدة، «تجود» اليوم القوى العسكرية في محاولة لمنع الأسوأ من الحصول، ومحاولة الاستفادة من دروس «عرسال 1» برفع مستوى الجهوزية والتحسّب لكل الاحتمالات.

اليوم، وبغطاء رسمي من الحكومة، يعمل الجيش على محاولة فصل عرسال عن جرودها، أولا من باب الضغط في ملف المخطوفين العسكريين، وثانيا ضمن إطار خطة عسكرية للسيطرة ومنع تكريس واقع كون عرسال بلدة محتلة.

وما حصل في المرحلة التي تلت 2 آب تركّز على تعزيز نقاط تواجد الجيش في العديد من المواقع والتلال المحيطة ومعظم المسالك الرئيسية والفرعية التي تربط عرسال بالجرد، وصولا الى التمركز بشكل نهائي في نقطة وادي الحصن الذي بقي في الفترة الماضية خاليا من حواجز ونقاط ثابتة لاعتبارات عسكرية. وتكمن أهمية وادي الحصن في كونه المعبر الأساس للمسلحين من والى جرود عرسال.

وضمن إطار هذا العمل العسكري الميداني واجه الجيش العديد من المحاولات لتطويقه، تماما كما حين هاجم المسلّحون سابقا حاجز الجيش في وادي حميد، ثم كمنوا لمجموعة من الجنود في منطقة الرهوة قرب حاجز وادي عطا. هذا بالاضافة الى ردّه الفوري على أي اعتداء عليه.

هذا المشهد منفصل بشكل تام عن الاشتباكات اليومية التي تدور في نقاط متقدّمة جدا في جرود عرسال والجانب السوري من الحدود بين الجيش السوري و«حزب الله» من جهة وبين التنظيمات الارهابية من جهة أخرى.

عمليا، يقود اليوم واقع تثبيت عملية فصل عرسال عن جردها الى جعل أي عملية عسكرية محتملة تُخاض بمعايير ومعطيات جديدة مختلفة عن تلك التي حكمت معركة «عرسال 1»، مع التسليم بإن إحكام الطوق على كافة المعابر الجردية أمر غير ممكن وغير واقعي.

تحت غطاء حكومي واضح، تتكرّس تدريجا خطة الفصل بين بلدة عرسال وجرودها الشاسعة. ويقتضي هذا الفصل اعتبار البلدة بحدّ ذاتها منطقة مقفلة ومحيّدة تماما، يتواجد فيها أهالي عرسال ومخيمات للنازحين يفترض أنها تؤوي مجموعات نازحة وليس مراكز لتجمّعات مسلّحة. وبالتالي فإن المواجهة المقبلة، ان حصلت، ستكون بين الجيش والارهابيين المتمركزين في الجرود، بما يخرج ورقة «عرسال البلدة» من بازار التجاذب السياسي.

وبالتأكيد، فإن الجيش لن يتصرّف على الأرجح من منطلق ان البلدة هي بقعة تحت السيطرة تماما، وبالتالي فإن الاحتياطات الاحترازية، التي هي قائمة أصلا وستتعزّز لاحقا، يجب أن تتكفّل بحماية ظهره من الداخل عبر منع تحوّل بعض مخيمات النازحين السوريين الى بؤر إرهابية. جزء من هذا العمل، برأي متابعين، يجب أن يتمّ من جانب العرساليين لـ«تنظيف أنفسهم بأنفسهم».

لكن على ضفاف هذا العمل العسكري الامني، المقرون بموافقة حكومية، تفرّخ على جوانب دولة التقصير مظاهر شاذة نافست سابقاتها في نزع ورقة التوت الاخيرة عن شبه الدولة. نموذج الشيخ مصطفى الحجيري ليس أولها وليس آخرها.

«الوسيط»، لم ينسّق مع الجيش حين قرّر تنظيم رحلة لمّ الشمل لعائلة العسكري جورج خوري. اقتاد العائلة، بالتنسيق معها، الى مكان تواجد «جبهة النصرة» في الجرد العرسالي.

لم يكتف الشيخ بذلك، بل قام بخطوة استباقية عبر الحديث عن اطلاق النار عليه وعلى عائلة الخوري في رحلة العودة، وذلك كي يُبقي على ممر آمن يمكّنه من التحرّك بسهولة بين عرسال والجرد. هذا في الوقت الذي نفت فيه مصادر عسكرية حصول إطلاق النار.

في الواقع، صارت الواقعة تفصيلا أمام الأساس. فالجيش الذي يتحضّر، ربما لكبرى معاركه في عرسال، يجد نفسه يداهم أوكار مطلوبين في بريتال، ويخوض عمليات تفاوض لنزع فتيل الخطف والخطف المضاد، ويضغط شمالا لإبقاء الوضع تحت السيطرة، ويدخل على خط تهدئة النفوس المشحونة، ويمنع الاعتداء على نازحين أبرياء، ويفتح الطرقات والزواريب، ويتحوّل الى شيخ صلح بعد ان صار الذبح صناعة للفتنة..

وها هو رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان يطالبه باستدعاء الاحتياط «وتكليفه حفظ الامن للحوؤل دون ممارسات الامن الذاتي والتسلّح»، بينما يطرح معنيون تساؤلات عن سبب عدم قيام قوى الامن الداخلي بهذه المهمّة أساسا، مع العلم بأن الجيش منذ العام 2005 يقوم بمهمات هي أصلا من صلب صلاحيات قوى الامن في حفظ السلم الداخلي!

اما الجانب اللافت في هذه المسألة، فهو أن بعض المرجعيات اليوم لا تنظر الى واقع الأمن الذاتي بوصفه خطرا داهما. يحصل هذا الأمر فعلا، حين يتحوّل الأمن الذاتي الى شريط فاصل بين المذاهب والطوائف والزواريب والأحياء.

لكن بواقعه اليوم، يبدو الأمن الذاتي أقرب الى الوصفة المطلوبة، تحديدا في القرى الحدودية، حيث يوحد العدو المشترك الجهود بين مواطنين من انتماءات سياسية مختلفة. لا نتحدث هنا عن حواجز تفتيش، ولا تدقيق في الهويات، ولا عمليات تشفّ وانتقام، بل تضافر جهود لحماية الحدود من الارهابيين، وبغطاء بلدي في كثير من الاحيان.