ليس في الأفق السياسي ما يشير الى إمكان حصول أي خرق جدي على مستوى الاستحقاق الرئاسي الذي يشكل محطة اختبار جدية لصدق النيات لدى القوى السياسية المحلية، وخصوصا أن أياً من هذه القوى لا يبدو مستعجلا لإتمام الاستحقاق في ظل المكاسب التي يحققها ممثلوها داخل الحكومة السلامية.
إذا كان الحوار السني – الشيعي يحقق تقدما على مستوى تخفيف الاحتقان المذهبي والتشنجات الإعلامية التي تغذي العصبيات الطائفية، فإن كل مؤشرات الحوار المسيحي لا توحي أن الفريق المسيحي بلغ مرحلة جدية في تعامله مع الهواجس التي تقض مضجع الوسط المسيحي على ضفتي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”. ذلك ان الملف المحوري الذي يشل أي تقدم محتمل على هذا الصعيد لا يزال يواجه العقد القائمة في وجه أي تفاهم حيال رئاسة الجمهورية.
وفي رأي مرجع سياسي بارز، ان الحوار المسيحي كان يمكن ان يحقق الكثير، وربما أكثر مما قد يحققه الحوار الإسلامي لولا عقدة الرئاسة.
وعليه، فإن هذا الملف سيبقى ملتصقا في شكل وثيق بالوضع الإقليمي الذي يشكل العامل الأكثر تأثيراً على اختيار الرئيس التوافقي المنتظر، والذي يبقى تحديد معاييره ” الوفاقية” للقوى الخارجية المؤثرة على الساحة المحلية.
وفي رأي المرجع عينه، لا يزال من المبكر الحديث عن رئيس لبناني يعيد رسم الصورة الدستورية المكتملة قبل ان تتبلور صورة المنطقة التي تخضع لعملية تفتيت لم تكتمل مكوناتها بعد.
لا يعني كلام المرجع أن ثمة سايكس بيكو جديداً وإنما مقاطعات طائفية بصلاحيات استثنائية تعيد تكوين المشهد الإقليمي، ولبنان لن يكون بعيدا منها.
يستوقف المرجع البارز مشهد الجلسة الحكومية التي اقرت ملف النفايات الصلبة والتقسيمات القضائية التي وزعت على أساسها عملية جمع النفايات وفرزها وطمرها، ليشير الى أنها شكلت ما يشبه “كانتونات” النفايات، ويلفت الى ان الخلفية التي حكمت مثل هذا التوزيع قد لا تتجاوز في أذهان من قررها اعتماد مبدأ المحاصصة الذي يحكم الذهنية السياسية في التعامل مع الملفات “الدسمة” مالياً، لكنها في واقع الأمر تعكس خلفيات “استقلالية” على قاعدة طائفية، كما تعكس الواقع السياسي الذي سيرتسم في أي عملية إصلاح سياسي جديد ستشهده البلاد عندما يحين أوانه.
وفيما تنشغل السلطة السياسية في رسم الخطوط العريضة لهذا الواقع الجديد المنتظر، وفيما الوزراء الذين حولت اليهم صلاحيات رئيس الجمهورية في توقيع المراسيم، تحولوا بدورهم الى “سوبر وزراء” في وزاراتهم، و”ميني رؤساء” في صلاحيات القبول او رفض المراسيم المقرة في الحكومة، تتحول الدولة بمفهومها المؤسساتي الى دولة ريعية شبيهة بحال الجمعيات الخيرية التي تتغذى من مداخيل أصحاب الأموال في القطاع الخاص، في ظل غياب أي رؤية او استراتيجية رسمية. ففي حين تبقى البلاد من دون موازنات للسنة العاشرة على التوالي، (آخر موازنة أقرت في عام ٢٠٠٥)، تعتمد الدولة على الموارد الخاصة لتمويل ملفاتها الشائكة.
فبعدما لجأت الدولة الى المصارف لتمويل حصة لبنان من المحكمة الخاصة الناظرة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، اعتمدت الدولة ممثلة بوزارة الداخلية والبلديات على القطاع المصرفي مرة جديدة لتمويل مشروع تأهيل سجن روميه، فيما يعول وزير الداخلية على مزيد من دعم القطاع الخاص من أجل تستكمال مشروع التأهيل.
والاعتماد على المصارف يستمر أيضاً عبر استمرار اللجوء الى المصارف لتغطية عجز المؤسسة العامة التي تقدر استحقاقاتها للمصارف بنحو ٥٠ مليار ليرة، وذلك لتأمين استمرارية عمل المؤسسة بعدما بلغت عجوزاتها مستوى يعوق قدرتها على الاستمرار في تقديم قروض جديدة. وعلم ان هذا الامر طرح في اللقاء الشهري الأخير بين حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ووفد جمعية المصارف. مع العلم ان وزير المال كان وقع سلفة خزينة لمصلحة المؤسسة بقيمة ٤٠ مليارا لتسدد بها ديونها للمصارف، والموضوع مطروح على مجلس الوزراء لإقراره.
ومع تراجع أسعار النفط عالمياً، وتراجع أسعار المشتقات النفطية، مع ما عناه ذلك من وفر في الفاتورة النفطية لزوم الكهرباء أو في أسعار البنزين، لجأت الدولة الى تجميد سعر صفيحة البنزين للمستهلكين من أجل استعمال تأمين الوفر المحقق لتمويل سلسلة الرتب والرواتب العالقة حتى الآن في انتظار تأمين موارد لها، مما يجعل المواطنين الممولين الأساسيين للسلسلة!