يُظهر مشهد الاستحقاق الرئاسي الآن أنّ المعركة الانتخابية ستدور في مرحلتها الأُولى حصراً بين رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ولكنّها لن تنتهي بفوز أيّ منهما، وإنّما ستفضي إلى البحث عن رئيس «وسطي» أو «توافقي»، على حدّ قول سياسيّين متابعين لشؤون الاستحقاق الرئاسي.
ويقول أحد هؤلاء السياسيّين لـ”الجمهورية”، إنّ موقف عون مختلف عن موقف جعجع لجهة الأمل بالفوز بسدّة رئاسة الجمهورية، فهو، أي عون، يعتقد أنّ دول الخليج والرئيس سعد الحريري سيصلان إلى مرحلة يقتنعان فيها بدعم ترشّحِه للرئاسة، لأنّه الأقدر من بين جميع المرشّحين في الحصول على «تنازلات» من حزب الله.
ولكنّ وصول الحريري وحلفائه الخليجيين إلى هذا الاقتناع دونَه عقبات جدّية، لأنّ التسويات الإقليمية والدولية غير ناضجة لكي تقبل الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها بانتخاب رئيس لبناني حليف لحزب الله مثل عون. وعلى رغم ذلك، فإنّ تيار «المستقبل» لا يرى غضاضة في الاستفادة براغماتياً من موقف عون وحاجته إلى التأييد «المستقبلي» والخليجي.
وفي المقابل، يقول السياسي نفسه، إنّ جعجع يدرك أنّه لا يستطيع الوصول الى رئاسة الجمهورية في هذه المرحلة، ولكنّه يريد من ترشّحِه تحقيق الآتي:
ـ أوّلاً، في ضوء الحديث عن أنّ المطلوب مرشّح رئاسي يملك قاعدة تمثيل مسيحية واسعة، فإنّ ترشّحه يظهر وجود مرشّحين بهذه الصفة. ولذلك يعتقد جعجع انّ ترشّحه يعطّل ترشّح عون، لأنّ أيّاً منهما لن ينال اكثرية الثلثين ولا الاكثرية النيابية المطلقة
ثانياً، يريد جعجع من ترشّحه تحصين موقعه السياسي أكثر، مستخدماً الاستحقاق الرئاسي منبراً، ولحظة يطرح فيها برامجه ومواقفه السياسية بما يمكّنه من تكبير موقعه أكثر فأكثر داخل فريق 14 آذار.
ثالثاً، يريد جعجع من ترشّحه وتنافسِه مع عون، أن يزيل ما هو عالقٌ في أذهان الرأي العام من أنّ هناك استحالة في وصوله يوماً إلى رئاسة الجمهورية، وهو بهذا الترشّح قد دخل نادي المرشّحين.
رابعاً، إنّ جعجع مقتنع بأنّ ترشّحه في مواجهة عون لن يوصل أيّاً منهما الى رئاسة الجمهورية، ما سيدفع القيادات المارونية والمسيحية الى اختيار رئيس «وسطي» أو «توافقي»، ولذا فإنّ ترشّحه يؤمّن له البقاء ضمن اللعبة حتى لا يُختار الرئيس العتيد في معزل عنه.
ولذلك فإنّ المعطيات الماثلة تدلّ إلى أنّ المرحلة الفاصلة عن موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في 25 أيّار المقبل أو التي ستليها، ستشهد نزاعاً بين المرشّحين عون وجعجع، فإذا انعقدت جلسة نيابية لانتخاب رئيس جمهورية بنصاب الثلثين لن يتمكّن أيّ منهما من الحصول على الثلثين في الدورة الأولى ولا على الأكثرية المطلقة في الدورة الثانية، لأنّ النائب وليد جنبلاط وكتلته لن ينتخبا أيّاً منهما، والبعض يقول إنّ جنبلاط قد يرشّح أحد النوّاب الموارنة من كتلته في مواجهتهما، وفي هذه الحال يذهب الاستحقاق الرئاسي في اتّجاه مرشّحي التوافق أو التسوية، سواءٌ أكانوا من الموظفين الذين يحتاجون إلى تعديل دستوري، أو من السياسيين الذين يشكّلون نقطة تلاقٍ بين مختلف القوى السياسية.