ماذا عن حال الديموقراطية اللبنانية في عمقها الابعد من الشكليات اذا كان للجلسة الانتخابية الرئاسية الاولى ان تختصر احوالها وتطورها؟
هي في حال مفجعة مهما قيل فيها تلطيفا او تنميقا. هي ديموقراطية تكاد القبلية تنهشها وتضعها فعلا في مستوى لوياجيرغا لبنانية خالصة. هي ديموقراطية مهترئة لانها ابعد ما تكون عن ثقافة ديموقراطية حقيقية متأصلة يبدو انها أفلت مع كبار زمن لن يعود.
ليس امرا عابرا ان تفتح فوهات العدائية والضغائن على الغارب مع استحقاق يفترض ان تكون مهابته كافية لردع تفلت العصبيات والشهوات الى تصفية الحسابات بهذا الاسلوب القبلي. كأننا امام موقعة ثأرية ينقض فيها عدو على عدو وليس امام منازلة ديموقراطية بين خصم وخصمه بالوجوه الحلال المشروعة. ثم ان الاسوأ في مشهد انتخابي مزعوم ان أحداً لم يتنبه الى ان ثمة اصولا اقوى من النصوص المكتوبة نفسها سواء في الدستور او في الانظمة الداخلية يفترض انها تمنع اثارة الفتنة. هل يقل التشويه المتعمد العلني الذي انتهك عبره المشهد الانتخابي في حرم مجلس نيابي منعقد كهيئة انتخابية في اعلى مراتب الاستحقاقات الدستورية عن اثارة الفتنة “على عينك يا مجلس”؟ وماذا يسمى نبش ملفات الحرب وقبورها غير انتهاك للاستحقاق والمجلس؟ وماذا لو رد غدا فريق آخر بالمثل وبعشرات العشرات من اوراق تحمل اسماء شهداء الاغتيالات؟ اذا كان ثمة ما لا يمنع ذلك في النظام الداخلي للمجلس صار لزاما عليه ان يعدل نظامه الداخلي فورا. كيف يمكن اصدار فتوى بنصاب الثلثين الدائم مع انها لا تزال عرضة لشكوك من جانب فقهاء وخبراء دستوريين ثم يسلس القياد لتحويل الجلسة الانتخابية الى موقعة تصفية حسابات بابشع المظاهر؟
اذا كانت هذه الطبعة الاولى للبننة فانها تعني الفجيعة. ليس الامر متصلا بأي مرشح وباي اسم وباي فريق بل بمبدأ حماية الديموقراطية للسلم الاهلي والاهم احترام الاستحقاق الانتخابي للموقع الرئاسي. ايا يكن هذا الآتي المفترض الى الرئاسة ومن أي فريق كان، لم يعد جائزا ولا مشروعا ولا حتى شرعيا القبول بتشويه رئيس الجمهورية اللبنانية اذا كان لمفهوم انتخاب الرئيس ان يرقى الى مستوى انقاذي حقيقي من هذا الهبوط المريع. ان ينقل الشارع الى المجلس هو أسوأ الأسوأ في ما شهدنا عليه وشاهده اللبنانيون وكفى ذرائع ساقطة مهللة عفنة. واذا كان لمجلس مطعون في شرعيته لكونه ممدد الولاية ان يصوب ما تبقى من مهابته العليلة فالامر صار هنا تماما في هذه الزاوية قبل ان يتمكن من اثبات سيادته على نفسه وينتخب رئيسا وينجو بتلك اللبننة المنازعة على طريق المهلة الدستورية المتسارعة.