25 أيار: مسمار إضافي في نعش النظام
عندما تُختصر رئاسة الجمهورية بطائفة الرئيس
ينادي هذا المسؤول أو ذاك بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في المهلة الدستورية، إلا أن الصوت الأوضح لا يأتي إلا من بكركي. يسمع الصوت من هناك ليس لأنه عالي النبرة فحسب، بل لأن الأذنين تتجه تلقائياً نحو الصرح الماروني.
في النظام الطائفي اللبناني، كل منصب له مرجعيته. لذلك، لم يكن مستغرباً، على سبيل المثال، أن يقال هنا أو هناك أن الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق مسيحي لا أكثر. أما حديث “الآخرين” عن الاستحقاق الدستوري وخطورة شغور المنصب الأول في الجمهورية، فصار أقرب إلى الشعارات التي تؤكد على الوحدة الوطنية وحماية الدور المسيحي في السلطة. انطلاقاً من ذلك، يولد إحساس لدى شرائح كبيرة باللامبالاة، إذا كان المنصب يخص طائفة أخرى.
هذا ما يحصل حالياً، علماً أن التجربة أثبتت للناس أن شغور أي منصب لن يكون له تأثير على حيواتهم.. فكيف إذا كان المنصب هو رئاسة الجمهورية ذات الصلاحيات المحدودة وغير المؤثرة في السياق العام للسلطة، خاصة أنها ستنتقل إلى مجلس الوزراء، حث تمثَّل المكونات الطائفية اللبنانية مناصفة.
لا شك في أن التوازن الطائفي هو أقوى من التوازن السياسي. مع كل أزمة تخرج طائفة لتتحدث عن مظلوميتها. خلال سنة تأليف الحكومة، أخذ تيار “المستقبل” موقفاً مبدئياً برفض التشريع في غياب رئيس حكومة، قبل أن تتحول هذه السنة إلى حرب صلاحيات بين المدافعين عن الرئاستين الثانية والثالثة. بعد 25 أيار، ستأخذ الكتل المسيحية الموقف نفسه، رافضة التشريع في ظل الفراغ في الرئاسة.
لأن هاجس قضم الصلاحيات يبقى هاجس الجميع، قاضمين ومقضومين، كان أول ما فعله الرئيس فؤاد السنيورة عندما شغر منصب الرئاسة أثناء رئاسته للحكومة هو زيارة بكركي للقاء البطريرك بطرس صفير لطمأنته بأن الحكومة لن تمارس صلاحيات الرئيس إلا بالحد الأدنى. قبل الوصول إلى تكرار التجربة، لم يتردد البطريرك بشارة الراعي باستشفاع يوحنا بولس الثاني انتخاب رئيس قبل نهاية الأسبوع.
كان يمكن أن يفهم الحرص على الصلاحيات من هنا وهناك لو أتى من خلفية مؤسساتية، إنما الإسراف في طائفية المواقف عاماً بعد آخر، يساهم في توسيع الهوة بين الدولة المأمولة والسلطة المفروضة، كما “يسقط فلسفة الكيان التي بنيت على مبدأ الكل يحمي الكل، ويسقط بالتالي أي توجه لبناء الدولة”، يقول الرئيس حسين الحسيني.
واقعياً، لا جدال في قوة العرف الذي يحدد طوائف الرئاسات، وعليه، فإن لا جدال في أن أي شغور سيؤدي إلى اختلال التوازن بين هذه الطوائف. أما الدستور، فلم ينح بهذا الاتجاه، إنما “حرص على استمرارية المؤسسات ومنع الشغور الرئاسي، من خلال نقل صلاحيات الرئيس إلى الحكومة مجتمعة، من دون أن يشكل ذلك دعوة للإخلال بالتوازن، خاصة أن مواد دستورية عديدة تتحدث عن شغور الرئاسة لفترة انتقالية قصيرة”، بحسب الوزير السابق بهيج طبارة. مع التذكير أن صلاحيات رئيس الجمهورية اليوم لا تشبه صلاحياته قبل تعديل الدستور. حينها كان يتولى الرئيس السلطة الإجرائية كاملة، وعند الشغور كانت هذه الصلاحيات تنتقل إلى مجلس الوزراء. وللتذكير، فقد سجل التاريخ اللبناني سابقتين، رفض خلالهما الرئيس أن تنتقل صلاحيته إلى حكومة رئيسها مسلم: استقال بشارة الخوري وعين فؤاد شهاب رئيساً للحكومة، وانتهت ولاية أمين الجميل فعين ميشال عون رئيساً للحكومة.
“ربما الصلاحية الأبرز التي بقيت لرئيس الجمهورية بعد الطائف كانت تأليف الحكومة مع رئيسها”، يقول طبارة، “إلا أن هذه الصلاحية سقطت أيضاً بعد اتفاق الدوحة، حيث فرضت على الرئيسين، وما تزال، تشكيلة وزارية، يختار فيها كل طرف ممثليه”.
يستعرض الحسيني محطات عديدة من محطات قيام الدولة، يتذكر كيف انتخب حبيب أبو شهلا رئيساً لمجلس النواب في العام 1947. يعود إلى الحاضر، آسفاً للدرك الذي وصلت إليه السلطة في لبنان. يقول إن كل أزمة من الأزمات تتحول لتكون أكبر من الأشخاص، بما يعني أنه لم يعد هنالك إمكانية للإنقاذ إلا من خلال إقرار قانون انتخاب وطني، يعيد تجميع أوصال الدولة المفككة.